حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله المبعوث إلى الثقلين ، والمخلف فيهم الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته سنن النجاة الذين باتباعهم والتمسك بهم والسير على هديهم يكون النجاة من الهلكات ، والفوز باللذات ، ( وبعد )
فيقول الراجي للنجاة باتباعه النبي صلى الله عليه وآله وكتابه الكريم وأهل بيته السادة اللهاميم عليهما السلام : عند مراجعاتي إلى أحاديث سيد الكونين ، وسيد الثقلين صلى الله عليه وآله وعلى الاخص حديث الثقلين وحديث السفينة فقد وجدت أخبارهما
كثيرة ومختلفة متفرقة ومنتشرة في كتب التفسير والحديث والتاريخ ، فرأيت أن أجمع شتاتهما حسب الامكان . في سفر واحد ، كي يسهل لطالبيهما الاطلاع عليهما ، والانتفاع بهما ، والاخذ بمضامينهما ، سائلا الله تبارك وتعالى وجميع اخواني المسلمين للاطلاع عليهما ثم العمل بهما وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب .
ولنذكر أولا حديث الثقلين ممن هو من أحد الثقلين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وممن رووه عنه عليهم السلام ، ثم ما رواه بقية الصحابة الكرام ، وبعد ذكر حديث الثقلين وما يرجع إليه أذكر ان شاء الله تعالى حديث السفينة كذلك ثم ما يرجع إليه حامدا شاركا أولا وآخرا .
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
كلمة المؤلف : عند مطالعتي للاحاديث النبوية وعلى الاخص حديث الثقلين وحديث السفيتة اللذين هما من أدلة الامامية في اتباعهم القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام عثرت على بيان لطيف في شرح الحديثين
وبيان أسباب صدور الحديثين ، لبعض علماء السنة المعروفين بالعلم والفهم والورع والتقوى فرأيت أن أجعله مقدمة للحديثين الشريفين اللذين بلغا من الشهرة حد التواتر ، واليك نص الفاظه بلا تصرف فيه : ( قال العلامة ) أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي ( 1 ) ما هذا نص الفاظه
* ( هامش ) *
( 1 ) أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي من عتبة بن غزوان مؤرخ من الكتاب الشعراء ، أصله من الري ، نشأ في خراسان وولي نيابتها . ثم استوطن نيسابور . وانتهت إليه رياسة الانشاء في خراسان والعراق . وناب عن شمس المعالي قابوس بن وشمكير في خراسان إلى أن
توفي سنة 427 ه من كتبه لطائف الكتاب في الادب ، و ( اليميني ) ، نسبة إلى السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، ويعرف بتاريخ العتبي ، طبع طبعات عديدة في بولاق ( مصر ) ولاهور ، ودهلي بعنوان ( تاريخ اليميني ) وقد ذكره صاحب كشف الظنون ( في حرف
الياء بعنوان ( اليميني ) وكتبوا له شروحا . ذكر تفاصيلها في ( كشف الظنون ) والشرح الاخير الذي ألف بعد عصر صاحب ( كشف الظنون ) هو الفتح الوهبي في شرح تاريخ العتبي . ألفه الشيخ أحمد بن علي بن عمر العدوي الدمشقي الشهير بالمنيني المولود سنة 1089 ه . والمتوفي سنة 1172 ه كما ترجمه في سلك الدر ، فرغ من شرحه سنة 1147 ه . وطبع في مجلدين [ * ]
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
" واستخلف ( أي رب البرية ) على عمارة عالمه ، من انتخبهم من خلفه وآثرهم بالهامه ، ودبر بهم بأوامره وأحكامه ، وكان أعلم بهم من ملائكته حيث قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا
تعلمون ) وأقام عليهم مهيمنا من لدنه يهديهم الرشاد ، ويحذرهم الفساد ، ويرجيهم الثواب ، وينذرهم العقاب ، ولم يقتصر على ما أقامه من الحجة وأوضحه من المحجة حتى ابتعث الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين بالمعجزات الباهرة ، والدلالات
الزاهرة ، والبينات المتظاهرة ، داعين إلى توحيده ، ونادبين لتسبيحه وتمجيده ، فازاح بهم العلة ، وأزال ( بهم ) الشبهة ، وأفاد سكون النفس ، ونفى خلاج الشكوك ، ولم يزل يستحدث من يشاء من خليقته موسومين بسنن الانبياء ، ومثل من قام
بعدهم على مناهجهم ، من الولاة والامراء حتى انتهت نوبة الخلق إلى زمن المصطفى الامين ، الابطحي المرتضى المجتبى محمد صلى الله عليه وآله ، فارسله بالحق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله باذنه ، وسراجا منيرا ، وجعل أمته به أفضل
الامم ، وكلمتهم أعدل الكلم ، وملتهم أوسط الملل وقبلتهم أسد القبل ، وسنتهم أقوى السنن ، وكتابهم أشرف الكتب ، ووعدهم
أن يكونوا يوم العدل وقضاء الفصل ، شهداء على من يظهر وينكر الواحد المعبود ، قال الله تعالى جده وهو أصدق الصادقين
وأحكم الحاكمين ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فنسخت بشريعته الشرايع ، وبضيعته البضايع ، وبدليله الادلة ، وببدره الاقمار
* ( هامش ) *
بالمطبعة الوهبية سنة 1286 ه .
أنظر في التعريف بالكتابين المتن والشرح ( الذريعة ) ج 3 ص 256 )
وانظر ترجمة الماتن في يتيمة الدهر ( ج 4 - 281 ص 289 )
وفي أعلام الزركلي ( ج 7 ص 56 ) وفي غيرهما من المعاجم الرجالية . [ * ]
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
والاهلة ، وانتشرت نبوته مسداة بالخلاص ، ملحمة بالاخلاص ، معلمة بالتمام مطرزة بالدوام ، على تعاقب الليالي والايام ،
لم يفرط فيها من شئ يقتضي تماما ، ويستدعي روية ولجاما ، قال الله تعلى جده ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا ) ، فاطلق على الدين لفظ الكمال لاستقامته على غاية الاعتدال ، وانتفائه عن عوارض النقص والاختلال إلى ان قبضه الله ، جل ذكره إليه مشكور السعي والاثر ، ممدوح النصر والظفر مرضي السمع والبصر ، محمود
العيان والخبر ، فاستخلف في أمته الثقلين كتاب الله وعترته ، اللذين يحميان الاقدام أن تزل ، والاحلام ان تضل ، والقلوب أن تمرض ، والشكوك أن تعرض ، فمن تمسك بهما فقد سلك الخيار ، وأمن العثار ، وربح اليسار ، ومن صدف عنهما فقد أساء
الاختيار ، وارتدف الادبار ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) فصلى الله عليه وعلى آله ما انبلج الليل عن الصباح ، واقترن العز بأطرف الرماح ونادى بحي على الفلاح ، صلاة تكافئ حسن بلائه وتضاهي سابق غنائه ، وتقضي فرض طاعته ، وتقتضي قرض شاعته ، وسلم تسليما " .
( قال المؤلف ) تأمل في هذا البيان فانه أحسن ما ورد من علماء السنة في توضيح هذا الحديث الشريف ولم يسبقه أحد من علمائهم بمثل ما ذكره في اثبات الامر الثابت ، وأوضحه من الامر الواضح فشكر الله سعيه وجزاء ما يستحقه ، وإذا عرفت )
هذا فاعلم أن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله لم يزل في ارشاد أمته من أول بعثته إلى آخر أيامه من الدنيا يبين لهم ما فيه رشادهم وصلاح معادهم ومعاشهم ، بطرق مختلفة بالاجمال والتفصيل ، بالاشارة والتصريح ، بالفاظ عامة وبيانات خاصة غير حديث الثقلين وحديث السفينة ، واليك بعضها وهي كثيرة رواها علماء السنة وعلماء الامامية رحمهم الله .
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
( منها ) قوله صلى الله عليه وآله : ألا أدلكم على من إذا تمسكتم به لن تضلوا بعده ؟ قالوا : بلى يا نبي الله ( قال ) : هذا علي فاحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ( اخرجه العلامة الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي في كتابه ( نزهة المجالس ) ج 2 ص 208 ط القاهرة ) .
( قال المؤلف ) وخرجه العلامة علي المتقي في ( كنز العمال ج 6 ص 400 ) وفيه زيادة كلمات نافعة وهذا نصه ( مسند السيد الحسن ) ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أدعوا لي سيد العرب قلت : ألست سيد العرب ؟ قال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ، فلما جاء ( علي ) قال : يا معشر الانصار ألا أدلكم على ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا ، هذا علي فاحبوه بحبي ، وأكرموه بكرامتي ، فان جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزوجل ( حل ) ( أي خرجه أبو نعيم في حلية الاولياء ) .
( قال المؤلف ) صاحبة هذا القول زوجة النبي صلى الله عليه وآله عائشة كما يظهر من حديث خرجه جماعة ، منهم ابن النجار في تاريخه ، قال : وعن عائشة قالت : قلت يارسول الله أنت سيد العرب قال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ( كنز العمال ج 6 ص 400 )
( ومنها ) قوله صلى الله عليه وآله في أول البعثة لاقربائه وعشيرته لما انذرهم ( وأنذر عشيرتك الاقربين ) فقال لهم هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ( خرج ) هذا الحديث جماعة من علماء السنة وحفاظهم ، وقد ذكرنا الحديث بطوله في كتابنا ( علي والشيعة ) واليك أسماء بعض من خرج الحديث الطبري في تاريخه الكبير ج 2 / 216 وفي تفسيره ( ج 19 / 129 ) أيضا وابن الاثير في تاريخه المسمى بالكامل ( ج 2 / 22 ) وابن الحديد في شرحه لنهج البلاغة ( ج 3 / 255 ) طبع مصر سنة 1329 ، وأحمد بن حنبل في مسنده
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
( ج 1 / 111 طبع مصر سنة 1313 ) وابن كثير في البداية والنهاية ( ج 3 / 39 ) وأبو الفداء في تاريخه ( ج 1 / 119 )
( ومنها ) قوله صلى الله عليه وآله كما رواه انس وأبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي أنت تبين لامتي ما اختلفوا فيه من بعدي ( خرجه الموفق بن أحمد الحنفي في المناقب ص 30 طبع تبريز ) ، وخرجه أيضا علي المتقي في كنز العمال ( ج 6 ص 156 ) وقال : أخرجه الديلمي عن انس .
( ومنها ) قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلم : أنت الصديق الاكبر وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل ( خرجه الصفوري الشافعي في نزهة المجالس ج 1 ص 205 طبع القاهرة ) .
( ومنها ) قوله صلى الله عليه واله : أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون ( خرجه الذهبي الشافعي في ميزان الاعتدال ج 1 / 225 طبع دار السعادة بمصر ) وخرجه أيضا علي المتقي الحنفي في كنز العمال ( ج 6 ص 157 ) وهذا نصه ( عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي ( خرجه الديلمي في فردوس الاخبار )
( قال المؤلف ) في هذا الحديث الشريف تصريح بأن الآخذين بهدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام الهدى الذي فيه النجاة وعليه الامامية الآخذون بهديه وهدى أولاده المعصومين مهديون ناجون . ( وفيه أيضا ج 6 ص 157 ) قال : وعن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق يعني ( صلى الله عليه وآله ) عليا ( خرجه الطبراني في المعجم الكبير الذي جميع أحاديثه صحيحة بتصريح الطبراني الشافعي .
( قال المؤلف ) هذا الحديث المبارك يكفي للاستدلال على أن متابعية علي
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
وبنيه عليهم السلام متابعة للحق لانهم على الحق ومن تابعهم تابع للحق . ( وفيه أيضا ج 6 ص 157 ) أخرجه أبو يعلي في مسنده ، وابن منصور في سننه أن النبي صلى الله عليه وآله قال مشيرا إلى أمير المؤمنين عليه السلم ( الحق مع ذا ) يعني عليا عليه السلم ( ع ص عن أبي سعيد ) .
( وفيه أيضا ج 6 ص 155 ) عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) يا عمار إن رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس إنه لن يدلك ردى ولن يخرجك من الهدى ( خرجه الديلمي في فردوس الاخبار ) .
( قال المؤلف ) هذه بعض الاحاديث الخاصة الآمرة باتباع علي أمير المؤمنين والعمل بأوامره ، وأما الاحاديث العامة الآمرة باتباع أهل البيت والسير على هديهم وارشادهم فهي كثيرة ، خرجها علماء السنة والامامية في كتبهم واليك بعض ما خرجه علماء السنة في كتبهم المعتبرة .
( منها ) ما خرجه علي المتقي الحنفي في كتابه ( كنز العمال ) ج 6 ص 155 ) نقلا من مستدرك الحاكم الشافعي ، ومن المعجم الكبير للطبراني الشافعي ، ومن فضائل الصحابة لابي نعيم الاصبهاني فانهم خرجوا بأسانيدهم عن زيد بن أرقم ( قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) : من أحب أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فان ربي عزوجل غرس قضبانها بيده فليتول علي بن أبي طالب ، فانه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ( طب ك وتعقب وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم ) .
( قال المؤلف ) خرج علماء السنة هذا الحديث في كتبهم وفي بعضها زيادة ( منها ما في كنز العمال ج 6 ص 155 ) نقلا عن كتب عديدة لعلماء السنة قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) : من أحب أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
ويدخل الجنة التي وعدني ربي قضبانا من قضبانها غرسه بيده وهي جنة الخلد فليتول عليا وذريته من بعدي فانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة ( مطير والباوردي وابن شاهين وابن مندة عن زياد ابن مطرف .
( قال المؤلف ) الامامية يحبون النبي وعليا وذريته عليهم الصلاة والسلام ويتمسكون بهم لانهم سفن النجاة ، وأحد الثقلين اللذين تركهما النبي صلى الله عليه وآله في امته وأمرهم باتباعه كي لا يضلوا ويهلكوا ، اللهم وفقنا للعمل بكتابك الذي أنزلته على سيد رسلك محمد صلى الله عليه وآله واتباع أهل بيته وعترته سفن النجاة آمين رب العالمين 14 / 12 / 1371 ه ( المؤلف )
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله المبعوث إلى الثقلين ، والمخلف فيهم الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته سنن النجاة الذين باتباعهم والتمسك بهم والسير على هديهم يكون النجاة من الهلكات ، والفوز باللذات ، ( وبعد )
فيقول الراجي للنجاة باتباعه النبي صلى الله عليه وآله وكتابه الكريم وأهل بيته السادة اللهاميم عليهما السلام : عند مراجعاتي إلى أحاديث سيد الكونين ، وسيد الثقلين صلى الله عليه وآله وعلى الاخص حديث الثقلين وحديث السفينة فقد وجدت أخبارهما
كثيرة ومختلفة متفرقة ومنتشرة في كتب التفسير والحديث والتاريخ ، فرأيت أن أجمع شتاتهما حسب الامكان . في سفر واحد ، كي يسهل لطالبيهما الاطلاع عليهما ، والانتفاع بهما ، والاخذ بمضامينهما ، سائلا الله تبارك وتعالى وجميع اخواني المسلمين للاطلاع عليهما ثم العمل بهما وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب .
ولنذكر أولا حديث الثقلين ممن هو من أحد الثقلين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وممن رووه عنه عليهم السلام ، ثم ما رواه بقية الصحابة الكرام ، وبعد ذكر حديث الثقلين وما يرجع إليه أذكر ان شاء الله تعالى حديث السفينة كذلك ثم ما يرجع إليه حامدا شاركا أولا وآخرا .
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
كلمة المؤلف : عند مطالعتي للاحاديث النبوية وعلى الاخص حديث الثقلين وحديث السفيتة اللذين هما من أدلة الامامية في اتباعهم القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام عثرت على بيان لطيف في شرح الحديثين
وبيان أسباب صدور الحديثين ، لبعض علماء السنة المعروفين بالعلم والفهم والورع والتقوى فرأيت أن أجعله مقدمة للحديثين الشريفين اللذين بلغا من الشهرة حد التواتر ، واليك نص الفاظه بلا تصرف فيه : ( قال العلامة ) أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي ( 1 ) ما هذا نص الفاظه
* ( هامش ) *
( 1 ) أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي من عتبة بن غزوان مؤرخ من الكتاب الشعراء ، أصله من الري ، نشأ في خراسان وولي نيابتها . ثم استوطن نيسابور . وانتهت إليه رياسة الانشاء في خراسان والعراق . وناب عن شمس المعالي قابوس بن وشمكير في خراسان إلى أن
توفي سنة 427 ه من كتبه لطائف الكتاب في الادب ، و ( اليميني ) ، نسبة إلى السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، ويعرف بتاريخ العتبي ، طبع طبعات عديدة في بولاق ( مصر ) ولاهور ، ودهلي بعنوان ( تاريخ اليميني ) وقد ذكره صاحب كشف الظنون ( في حرف
الياء بعنوان ( اليميني ) وكتبوا له شروحا . ذكر تفاصيلها في ( كشف الظنون ) والشرح الاخير الذي ألف بعد عصر صاحب ( كشف الظنون ) هو الفتح الوهبي في شرح تاريخ العتبي . ألفه الشيخ أحمد بن علي بن عمر العدوي الدمشقي الشهير بالمنيني المولود سنة 1089 ه . والمتوفي سنة 1172 ه كما ترجمه في سلك الدر ، فرغ من شرحه سنة 1147 ه . وطبع في مجلدين [ * ]
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
" واستخلف ( أي رب البرية ) على عمارة عالمه ، من انتخبهم من خلفه وآثرهم بالهامه ، ودبر بهم بأوامره وأحكامه ، وكان أعلم بهم من ملائكته حيث قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا
تعلمون ) وأقام عليهم مهيمنا من لدنه يهديهم الرشاد ، ويحذرهم الفساد ، ويرجيهم الثواب ، وينذرهم العقاب ، ولم يقتصر على ما أقامه من الحجة وأوضحه من المحجة حتى ابتعث الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين بالمعجزات الباهرة ، والدلالات
الزاهرة ، والبينات المتظاهرة ، داعين إلى توحيده ، ونادبين لتسبيحه وتمجيده ، فازاح بهم العلة ، وأزال ( بهم ) الشبهة ، وأفاد سكون النفس ، ونفى خلاج الشكوك ، ولم يزل يستحدث من يشاء من خليقته موسومين بسنن الانبياء ، ومثل من قام
بعدهم على مناهجهم ، من الولاة والامراء حتى انتهت نوبة الخلق إلى زمن المصطفى الامين ، الابطحي المرتضى المجتبى محمد صلى الله عليه وآله ، فارسله بالحق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله باذنه ، وسراجا منيرا ، وجعل أمته به أفضل
الامم ، وكلمتهم أعدل الكلم ، وملتهم أوسط الملل وقبلتهم أسد القبل ، وسنتهم أقوى السنن ، وكتابهم أشرف الكتب ، ووعدهم
أن يكونوا يوم العدل وقضاء الفصل ، شهداء على من يظهر وينكر الواحد المعبود ، قال الله تعالى جده وهو أصدق الصادقين
وأحكم الحاكمين ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فنسخت بشريعته الشرايع ، وبضيعته البضايع ، وبدليله الادلة ، وببدره الاقمار
* ( هامش ) *
بالمطبعة الوهبية سنة 1286 ه .
أنظر في التعريف بالكتابين المتن والشرح ( الذريعة ) ج 3 ص 256 )
وانظر ترجمة الماتن في يتيمة الدهر ( ج 4 - 281 ص 289 )
وفي أعلام الزركلي ( ج 7 ص 56 ) وفي غيرهما من المعاجم الرجالية . [ * ]
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
والاهلة ، وانتشرت نبوته مسداة بالخلاص ، ملحمة بالاخلاص ، معلمة بالتمام مطرزة بالدوام ، على تعاقب الليالي والايام ،
لم يفرط فيها من شئ يقتضي تماما ، ويستدعي روية ولجاما ، قال الله تعلى جده ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا ) ، فاطلق على الدين لفظ الكمال لاستقامته على غاية الاعتدال ، وانتفائه عن عوارض النقص والاختلال إلى ان قبضه الله ، جل ذكره إليه مشكور السعي والاثر ، ممدوح النصر والظفر مرضي السمع والبصر ، محمود
العيان والخبر ، فاستخلف في أمته الثقلين كتاب الله وعترته ، اللذين يحميان الاقدام أن تزل ، والاحلام ان تضل ، والقلوب أن تمرض ، والشكوك أن تعرض ، فمن تمسك بهما فقد سلك الخيار ، وأمن العثار ، وربح اليسار ، ومن صدف عنهما فقد أساء
الاختيار ، وارتدف الادبار ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) فصلى الله عليه وعلى آله ما انبلج الليل عن الصباح ، واقترن العز بأطرف الرماح ونادى بحي على الفلاح ، صلاة تكافئ حسن بلائه وتضاهي سابق غنائه ، وتقضي فرض طاعته ، وتقتضي قرض شاعته ، وسلم تسليما " .
( قال المؤلف ) تأمل في هذا البيان فانه أحسن ما ورد من علماء السنة في توضيح هذا الحديث الشريف ولم يسبقه أحد من علمائهم بمثل ما ذكره في اثبات الامر الثابت ، وأوضحه من الامر الواضح فشكر الله سعيه وجزاء ما يستحقه ، وإذا عرفت )
هذا فاعلم أن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله لم يزل في ارشاد أمته من أول بعثته إلى آخر أيامه من الدنيا يبين لهم ما فيه رشادهم وصلاح معادهم ومعاشهم ، بطرق مختلفة بالاجمال والتفصيل ، بالاشارة والتصريح ، بالفاظ عامة وبيانات خاصة غير حديث الثقلين وحديث السفينة ، واليك بعضها وهي كثيرة رواها علماء السنة وعلماء الامامية رحمهم الله .
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
( منها ) قوله صلى الله عليه وآله : ألا أدلكم على من إذا تمسكتم به لن تضلوا بعده ؟ قالوا : بلى يا نبي الله ( قال ) : هذا علي فاحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ( اخرجه العلامة الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي في كتابه ( نزهة المجالس ) ج 2 ص 208 ط القاهرة ) .
( قال المؤلف ) وخرجه العلامة علي المتقي في ( كنز العمال ج 6 ص 400 ) وفيه زيادة كلمات نافعة وهذا نصه ( مسند السيد الحسن ) ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أدعوا لي سيد العرب قلت : ألست سيد العرب ؟ قال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ، فلما جاء ( علي ) قال : يا معشر الانصار ألا أدلكم على ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا ، هذا علي فاحبوه بحبي ، وأكرموه بكرامتي ، فان جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزوجل ( حل ) ( أي خرجه أبو نعيم في حلية الاولياء ) .
( قال المؤلف ) صاحبة هذا القول زوجة النبي صلى الله عليه وآله عائشة كما يظهر من حديث خرجه جماعة ، منهم ابن النجار في تاريخه ، قال : وعن عائشة قالت : قلت يارسول الله أنت سيد العرب قال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ( كنز العمال ج 6 ص 400 )
( ومنها ) قوله صلى الله عليه وآله في أول البعثة لاقربائه وعشيرته لما انذرهم ( وأنذر عشيرتك الاقربين ) فقال لهم هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ( خرج ) هذا الحديث جماعة من علماء السنة وحفاظهم ، وقد ذكرنا الحديث بطوله في كتابنا ( علي والشيعة ) واليك أسماء بعض من خرج الحديث الطبري في تاريخه الكبير ج 2 / 216 وفي تفسيره ( ج 19 / 129 ) أيضا وابن الاثير في تاريخه المسمى بالكامل ( ج 2 / 22 ) وابن الحديد في شرحه لنهج البلاغة ( ج 3 / 255 ) طبع مصر سنة 1329 ، وأحمد بن حنبل في مسنده
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
( ج 1 / 111 طبع مصر سنة 1313 ) وابن كثير في البداية والنهاية ( ج 3 / 39 ) وأبو الفداء في تاريخه ( ج 1 / 119 )
( ومنها ) قوله صلى الله عليه وآله كما رواه انس وأبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي أنت تبين لامتي ما اختلفوا فيه من بعدي ( خرجه الموفق بن أحمد الحنفي في المناقب ص 30 طبع تبريز ) ، وخرجه أيضا علي المتقي في كنز العمال ( ج 6 ص 156 ) وقال : أخرجه الديلمي عن انس .
( ومنها ) قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلم : أنت الصديق الاكبر وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل ( خرجه الصفوري الشافعي في نزهة المجالس ج 1 ص 205 طبع القاهرة ) .
( ومنها ) قوله صلى الله عليه واله : أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون ( خرجه الذهبي الشافعي في ميزان الاعتدال ج 1 / 225 طبع دار السعادة بمصر ) وخرجه أيضا علي المتقي الحنفي في كنز العمال ( ج 6 ص 157 ) وهذا نصه ( عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي ( خرجه الديلمي في فردوس الاخبار )
( قال المؤلف ) في هذا الحديث الشريف تصريح بأن الآخذين بهدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام الهدى الذي فيه النجاة وعليه الامامية الآخذون بهديه وهدى أولاده المعصومين مهديون ناجون . ( وفيه أيضا ج 6 ص 157 ) قال : وعن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق يعني ( صلى الله عليه وآله ) عليا ( خرجه الطبراني في المعجم الكبير الذي جميع أحاديثه صحيحة بتصريح الطبراني الشافعي .
( قال المؤلف ) هذا الحديث المبارك يكفي للاستدلال على أن متابعية علي
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
وبنيه عليهم السلام متابعة للحق لانهم على الحق ومن تابعهم تابع للحق . ( وفيه أيضا ج 6 ص 157 ) أخرجه أبو يعلي في مسنده ، وابن منصور في سننه أن النبي صلى الله عليه وآله قال مشيرا إلى أمير المؤمنين عليه السلم ( الحق مع ذا ) يعني عليا عليه السلم ( ع ص عن أبي سعيد ) .
( وفيه أيضا ج 6 ص 155 ) عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) يا عمار إن رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس إنه لن يدلك ردى ولن يخرجك من الهدى ( خرجه الديلمي في فردوس الاخبار ) .
( قال المؤلف ) هذه بعض الاحاديث الخاصة الآمرة باتباع علي أمير المؤمنين والعمل بأوامره ، وأما الاحاديث العامة الآمرة باتباع أهل البيت والسير على هديهم وارشادهم فهي كثيرة ، خرجها علماء السنة والامامية في كتبهم واليك بعض ما خرجه علماء السنة في كتبهم المعتبرة .
( منها ) ما خرجه علي المتقي الحنفي في كتابه ( كنز العمال ) ج 6 ص 155 ) نقلا من مستدرك الحاكم الشافعي ، ومن المعجم الكبير للطبراني الشافعي ، ومن فضائل الصحابة لابي نعيم الاصبهاني فانهم خرجوا بأسانيدهم عن زيد بن أرقم ( قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) : من أحب أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فان ربي عزوجل غرس قضبانها بيده فليتول علي بن أبي طالب ، فانه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ( طب ك وتعقب وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم ) .
( قال المؤلف ) خرج علماء السنة هذا الحديث في كتبهم وفي بعضها زيادة ( منها ما في كنز العمال ج 6 ص 155 ) نقلا عن كتب عديدة لعلماء السنة قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) : من أحب أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي
حديث الثقلين - نجم الدين العسكري
ويدخل الجنة التي وعدني ربي قضبانا من قضبانها غرسه بيده وهي جنة الخلد فليتول عليا وذريته من بعدي فانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة ( مطير والباوردي وابن شاهين وابن مندة عن زياد ابن مطرف .
( قال المؤلف ) الامامية يحبون النبي وعليا وذريته عليهم الصلاة والسلام ويتمسكون بهم لانهم سفن النجاة ، وأحد الثقلين اللذين تركهما النبي صلى الله عليه وآله في امته وأمرهم باتباعه كي لا يضلوا ويهلكوا ، اللهم وفقنا للعمل بكتابك الذي أنزلته على سيد رسلك محمد صلى الله عليه وآله واتباع أهل بيته وعترته سفن النجاة آمين رب العالمين 14 / 12 / 1371 ه ( المؤلف )