في كتابه (الذوق الأدبي؛ كيف يتكون؟)، تحدث (أرنولد بينيت) عن هدف الأدب وماهيته، وانعكاساته على الحياة اليومية، يقول مستفتحًا:
في بادئ الأمر، ثمة مفهوم خاطئ فيما يتعلق بالذوق الأدبي علينا توضيحه؛ وهو أن كثيرًا من الناس، بل الغالبية العظمى منهم، يعتقدون أن الذوق الأدبي موهبة راقية تضفي عليهم مزيدًا من الكمال لدى بلوغها، وتجعلهم أكثر توافقًا مع المجتمع الذي ينتمون إليه. فهم يشعرون بالخجل إزاء إهمالهم للجانب الأدبي، بالطريقة ذاتها التي يشعرون فيها بذلك حيال جهلهم بقواعد الإتيكيت والذوق العام، أو على سبيل المثال، تجاه عدم مقدرتهم على ركوب الخيل حين يُطلب منهم ذلك.
فالفكرة السائدة لدى البعض؛ هي أن هنالك أشياء محددة ينبغي على المرء معرفتها والإلمام بها، وأحد هذه الأشياء هو الأدب.
إذ تعلّموا كيفية الأناقة في الملبس، واللباقة في التصرف في كافة المواقف، وكانوا على حد ما قادرين على تسيير المسائل الحياتية اليومية، وبالمثابرة والجرأة نجحوا أيضًا في حياتهم المهنية، مما يحتم عليهم عندئذ أن يضعوا نصب أعينهم أن الإلمام بالأدب جزء لا يتجزأ من احترام الشخص لذاته. فالاهتمام بالرسم والموسيقى ليس بتلك الأهمية، بينما يتوجب على الجميع الإلمام بالأدب، فهو نوع من أنواع التسلية الراقية. وعليه فإن الذوق الأدبي يؤدي إلى غرضين؛ الأول هو كونه شهادة أو دليل على ثقافة الفرد السليمة، والثاني هو أنه يقدم للقارئ نوعًا من المتعة الخاصة.
إن سلوكًا كهذا في التعاطي مع الأدب، أو أي سلوك آخر مشابه له، هو سلوك خاطئ. وهو ببساطة أمر مضحك جدًا بالنسبة لأولئك الذين يدركون ماهية الأدب، ويعرفون وظيفته تمامًا، ناهيك عن عواقبه الوخيمة في عملية تكوين الذوق الأدبي.
بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن الذوق الأدبي موهبة، وأن الأدب نوع من أنواع التسلية؛ لن ينجحوا حتمًا في اكتساب هذه الموهبة، أو في استخدامها كنوع من أنواع التسلية والترفيه، بالرغم من كون الأدب التسلية الأمثل، وبالرغم أيضًا من كون الذوق الأدبي الموهبة التي لا نظير لها من حيث الأناقة أو القوة في التأثير على المرائين من أبناء العالم المحتضر. وبرأيي فإن الأدب ليس أمرًا مكملًا كما هو متعارف عليه، بل هو شيء أساسي لا غنى عنه لتحقيق العيش المتكامل لحياة الإنسان.
إن صانعي الأدب هم أولئك الأشخاص الذين شهدوا وشعروا بالمتعة الرائعة لهذا الكون، وأعظمهم هم ذوو الرؤية الأشمل والإحساس الأقوى والأعمق. وحياة هؤلاء هي عبارة عن نشوة طويلة ومستمرة من إنكار لعتمة هذا العالم إذا ما قورنت برؤيتك التي جاءت عرضية ومؤقتة. ألا يعنيك أن تتعلم كيف تشعر بأن هذا العالم ليس مضجرًا؟ ألا يعنيك أيضًا أن تخرج من هذا النفق المظلم إلى العالم الرحب لتتسارع جميع حواسك وتستمتع بالنكهة الحقيقية للحياة، ولتشعر بنبضات قلبك تخفق تحت ربطة عنقك؟ صانعوا الأدب هؤلاء يجعلونك تشعر بكل ذلك، فهم يجعلونك تنظر بأعينهم فترى الأشياء بطريقتهم.
يختتم (بينيت) حديثه، فيقول:
ليس الهدف من الدراسة الأدبية ملء أوقات الفراغ، بل إيقاظ النفس البشرية ودب الحياة فيها وتعزيز القدرة على الاستمتاع والعطف والإدراك، فالهدف الأساسي للأدب هو تغيير علاقة الفرد بالعالم بشكل كامل، ليدوم تأثيره هذا على مدى الأربع وعشرين ساعة، وليس لمدة ساعة واحدة فقط. ففهم وتقدير قيمة الأدب ليس سوى فهم وتقدير للعالم بأسره، هو الحياة بأكملها ممزوجة ببعضها البعض ضمن خارطة مركبة وليس بأجزاء مفككة من هذه الحياة. إن روح الأدب روح توحيدية، تشمل ضوء الشمعة وسطوع النجم معًا، وبسحر صورة ما ترينا أن عظمة الجمال تكمن في وجوده في أبسط الأشياء. كما أنها لا تحبذ كشف الجمال وجمع الأشياء المختلفة سويًا، فهي تضفي نوعًا من الحكمة الأخلاقية عبر تتبعها للأسباب والنتائج في كل مكان. إذ تعزز ذلك بطريقتين؛ الأولى عبر إظهار الجمال غير المتوقع. أما الثانية، فهي عن طريق البرهنة أننا نمتلك مصيرًا مشتركًا. إنها الصرخة العظيمة لمكتشفيها الذي يبدي التعاطف ويطلبه في الإيماءة ذاتها.
في بادئ الأمر، ثمة مفهوم خاطئ فيما يتعلق بالذوق الأدبي علينا توضيحه؛ وهو أن كثيرًا من الناس، بل الغالبية العظمى منهم، يعتقدون أن الذوق الأدبي موهبة راقية تضفي عليهم مزيدًا من الكمال لدى بلوغها، وتجعلهم أكثر توافقًا مع المجتمع الذي ينتمون إليه. فهم يشعرون بالخجل إزاء إهمالهم للجانب الأدبي، بالطريقة ذاتها التي يشعرون فيها بذلك حيال جهلهم بقواعد الإتيكيت والذوق العام، أو على سبيل المثال، تجاه عدم مقدرتهم على ركوب الخيل حين يُطلب منهم ذلك.
فالفكرة السائدة لدى البعض؛ هي أن هنالك أشياء محددة ينبغي على المرء معرفتها والإلمام بها، وأحد هذه الأشياء هو الأدب.
إذ تعلّموا كيفية الأناقة في الملبس، واللباقة في التصرف في كافة المواقف، وكانوا على حد ما قادرين على تسيير المسائل الحياتية اليومية، وبالمثابرة والجرأة نجحوا أيضًا في حياتهم المهنية، مما يحتم عليهم عندئذ أن يضعوا نصب أعينهم أن الإلمام بالأدب جزء لا يتجزأ من احترام الشخص لذاته. فالاهتمام بالرسم والموسيقى ليس بتلك الأهمية، بينما يتوجب على الجميع الإلمام بالأدب، فهو نوع من أنواع التسلية الراقية. وعليه فإن الذوق الأدبي يؤدي إلى غرضين؛ الأول هو كونه شهادة أو دليل على ثقافة الفرد السليمة، والثاني هو أنه يقدم للقارئ نوعًا من المتعة الخاصة.
إن سلوكًا كهذا في التعاطي مع الأدب، أو أي سلوك آخر مشابه له، هو سلوك خاطئ. وهو ببساطة أمر مضحك جدًا بالنسبة لأولئك الذين يدركون ماهية الأدب، ويعرفون وظيفته تمامًا، ناهيك عن عواقبه الوخيمة في عملية تكوين الذوق الأدبي.
بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن الذوق الأدبي موهبة، وأن الأدب نوع من أنواع التسلية؛ لن ينجحوا حتمًا في اكتساب هذه الموهبة، أو في استخدامها كنوع من أنواع التسلية والترفيه، بالرغم من كون الأدب التسلية الأمثل، وبالرغم أيضًا من كون الذوق الأدبي الموهبة التي لا نظير لها من حيث الأناقة أو القوة في التأثير على المرائين من أبناء العالم المحتضر. وبرأيي فإن الأدب ليس أمرًا مكملًا كما هو متعارف عليه، بل هو شيء أساسي لا غنى عنه لتحقيق العيش المتكامل لحياة الإنسان.
إن صانعي الأدب هم أولئك الأشخاص الذين شهدوا وشعروا بالمتعة الرائعة لهذا الكون، وأعظمهم هم ذوو الرؤية الأشمل والإحساس الأقوى والأعمق. وحياة هؤلاء هي عبارة عن نشوة طويلة ومستمرة من إنكار لعتمة هذا العالم إذا ما قورنت برؤيتك التي جاءت عرضية ومؤقتة. ألا يعنيك أن تتعلم كيف تشعر بأن هذا العالم ليس مضجرًا؟ ألا يعنيك أيضًا أن تخرج من هذا النفق المظلم إلى العالم الرحب لتتسارع جميع حواسك وتستمتع بالنكهة الحقيقية للحياة، ولتشعر بنبضات قلبك تخفق تحت ربطة عنقك؟ صانعوا الأدب هؤلاء يجعلونك تشعر بكل ذلك، فهم يجعلونك تنظر بأعينهم فترى الأشياء بطريقتهم.
يختتم (بينيت) حديثه، فيقول:
ليس الهدف من الدراسة الأدبية ملء أوقات الفراغ، بل إيقاظ النفس البشرية ودب الحياة فيها وتعزيز القدرة على الاستمتاع والعطف والإدراك، فالهدف الأساسي للأدب هو تغيير علاقة الفرد بالعالم بشكل كامل، ليدوم تأثيره هذا على مدى الأربع وعشرين ساعة، وليس لمدة ساعة واحدة فقط. ففهم وتقدير قيمة الأدب ليس سوى فهم وتقدير للعالم بأسره، هو الحياة بأكملها ممزوجة ببعضها البعض ضمن خارطة مركبة وليس بأجزاء مفككة من هذه الحياة. إن روح الأدب روح توحيدية، تشمل ضوء الشمعة وسطوع النجم معًا، وبسحر صورة ما ترينا أن عظمة الجمال تكمن في وجوده في أبسط الأشياء. كما أنها لا تحبذ كشف الجمال وجمع الأشياء المختلفة سويًا، فهي تضفي نوعًا من الحكمة الأخلاقية عبر تتبعها للأسباب والنتائج في كل مكان. إذ تعزز ذلك بطريقتين؛ الأولى عبر إظهار الجمال غير المتوقع. أما الثانية، فهي عن طريق البرهنة أننا نمتلك مصيرًا مشتركًا. إنها الصرخة العظيمة لمكتشفيها الذي يبدي التعاطف ويطلبه في الإيماءة ذاتها.