ممارسات سلطة الحكم الذاتي ضد المجتمع المدني الفلسطيني"
منذ إقامتها بموجب اتفاقات أوسلو تواصل سلطة الحكم الذاتي إجراءاتها ضد المجتمع المدني الفلسطيني، وقد شملت هذه الاجراءات حتى الآن حملات اعتقال واسعة وعنيفة ومداهمات ليلية شهدت عمليات تخريب وترويع ومصادرة للممتلكات العامة والخاصة في محاولة لضرب البنية التحتية للمجتمع المدني الفلسطيني ودفعه للإعتماد على سلطة الحكم الذاتي ومؤسساتها، ومن ثم فرض المزيد من القيود على الحياة المدنية التي ساهمت بشكل كبير في صمود المجتمع الفلسطيني واستقلاليته عن مجتمع الإحتلال.
لقد امتدت اعتداءات السلطة لتطال مؤسسات المجتمع الفلسطيني وحريات أفراده في التعبير والاعتقاد، ولتنتهك الحقوق الأساسية للإنسان والسياسية للمجتمع وسط تعتيم إعلامي شامل بلغ أحياناً حد التواطؤ بحجة عدم التشويش على مسيرة التسوية، في وقت تحصد فيه الصواريخ الصهيونية مئات الأطفال والنساء والشيوخ العزل في قرية قانا اللبنانية بحجة الدفاع عن أمن المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة.
إن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي أكدت ولا زالت حرصها على التعايش بين أبناء المجتمع الواحدباعتباره واحداً من أهم ضمانات الوحدة الوطنية في مواجهة محاولات ضربها صهيونياً، تضع هذه المذكرة بين أيديكم لكشف حجم الخطر الذي بات يتهدد المجتمع الفلسطيني جراء ممارسات السلطة وعقلية الهيمنة والتسلط التي سيطرت على تصرفاتها منذ دخولها مناطق الحكم الذاتي في تموز (يوليو) 1994.
أولاً - الاعتقالات:
بدأت سلطة الحكم الذاتي حملات الاعتقال ضد مؤيدي فصائل المقاومة الفلسطينية في 14 آب (اغسطس) 1994 أي بعد مرور حوالي شهر على دخول رئيس السلطة ياسر عرفات إلى قطاع غزة ، ففي ذلك اليوم شارك المئات من أفراد شرطة الحكم الذاتي في حملة اعتقالات واسعة طالت نحو 100 شاب فلسطيني يشتبه بتعاطفهم مع فصائل المقاومة.
وعلى مدار الأشهر التالية واصلت سلطة الحكم الذاتي حملات اعتقال مماثلة، إلا أن أعنفها وأوسعها كانت الحملة الأخيرة التي بدأتها أجهزة السلطة في 25 شباط (فبراير) 1996، واستمرت قرابة ستة أشهر دون توقف، ففي 25 شباط (فبراير) 1996 شن عساكر السلطة حملة اعتقالات في مناطق مختلفة من مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية طالت نحو 40 فلسطينياً، وفي اليوم التالي واصل عساكر السلطة حملاتهم حيث اعتقلوا 187 مواطناً آخر معلنين بداية أوسع حملة اعتقالات في تاريخ السلطة القصير ضد نشطاء وأنصار فصائل المقاومة.
وفي 13 نيسان (أبريل) 1996 أي بعد مرور أقل من شهرين على بدء الحملة أعلن مسؤولون في سلطة الحكم الذاتي أن عدد المعتقلين للاشتباه بعلاقتهم بقوى المعارضة بلغ 900 معتقل، أي أن معدل الاعتقال بلغ 18 معتقلا في اليوم الواحد.
وشملت حملات الاعتقال التي تزامنت مع حملة اعتقالات موازية يقوم بها جنود الاحتلال الصهيوني مداهمات وعمليات ترويع للمدنيين، وطالت مئات الطلبة والأكاديميين والناشطين في المجالات الاجتماعية، كما شملت أعمال الاعتقال احتجاز الأولاد والأشقاء كرهائن الى حين تسليم المشتبه بانتمائهم لحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي أنفسهم، وقد لجأ أفراد السلطة في كثير من الأحيان إلى تهديد المعتقلين بالاعتداء على زوجاتهم وبناتهم وشقيقاتهم خلال عمليات التحقيق معهم لارغامهم على الإدلاء باعترافات أو تزويد السلطة بمعلومات حول أنشطة فصائل المقاومة.
وقد وصف محمد دحلان مسؤول ما يسمى بجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة حملة السلطة ضد أنصار حركتي "حماس" والجهاد الاسلامي بأنها «أكبر حملة يشهدها قطاع غزة منذ احتلاله عام 1967».
ولم تتوقف الاعتقالات عند النشطاء المشتبه بعلاقتهم بهجمات بطولية استهدفت المحتلين الصهاينة، بل امتدت إلى عدد من الصحفيين والحقوقيين والأكاديميين وحتى القادة السياسيين الذين شاركوا في حوارات سابقة مع سلطة الحكم الذاتي، إذ اعتقل عساكر السلطة الدكتور محمود الزهار والشيخ أحمد بحر والشيخ سيد أبو مسامح وهم من المشاركين في حوارات سابقة مع السلطة استهدفت نزع فتيل التوتر في مناطق الحكم الذاتي، كما طالت الاعتقالات أكاديميين بارزين مثل الدكتور عبد الستار قاسم المحاضر في جامعة النجاح والمعروف بمواقفه الرافضة لسياسات الحكم الذاتي، والدكتور ابراهيم المقادمة المحاضر في الجامعة الاسلامية في غزة والدكتور محمد شبط رئيس الكلية التكنولوجية والدكتور عاطف اسماعيل المحاضر الجامعي في غزة، بالاضافة الى عدد من الصحفيين الفلسطينيين عرف منهم رزق حتمو مراسل صحيفة الحياة الجديدة المقربة من سلطة الحكم الذاتي، والصحفي أيمن سلامة مراسل صحيفة الحياة، والدكتور غازي حمد نائب رئيس تحرير صحيفة الوطن الصادرة في قطاع غزة، ومن بين المعتقلين أيضا نشطاء في منظمات حقوقية كانوا قد أشاروا بانتقاد الى ممارسات السلطة وطالبوا بوقف انتهاكاتها المتكررة لحقوق الانسان، حيث احتجز الدكتور إياد السّراج المسؤول في المفوضية العليا لحقوق الإنسان الفلسطيني لمدة تسعة ساعات تعرض خلالها للتحقيق على خلفية نشاطه في الدفاع عن حقوق الانسان في مناطق الحكم الذاتي.
وتشير حادثة اعتقال الصحفي فايز نور الدين وهو مصور يعمل لحساب وكالة الصحافة الفرنسية في قطاع غزة، والاعتداء عليه بالضرب المبرح من قبل أفراد إدارة المباحث العامة مما أدى إلى إصابته بكدمات بالغة في مختلف أنحاء جسمه وجرح في ذراعه، قبل إحتجازه لفترة استمرت أكثر من عشر ساعات بتهمة التقاط صورة حمار على شاطئ غزة اعتبرها ممثلو السلطة محاولة لتشويه صورة مناطق الحكم الذاتي، تشير هذه الحادثة إلى طبيعة العقلية التي تحكم سلوكيات السلطة وأجهزتها تجاه المجتمع المدني الفلسطيني.
ثانياً - المداهمات:
في سياق حملتها ضد فصائل المقاومة داهم عساكر السلطة عشرات المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والصحية بحجة الاشتباه بعلاقتها مع هذه الفصائل، بينما اعلن نصر يوسف قائد الشرطة في غزة ان قواته « عاقدة العزم على تدمير الهياكل المدنية لحماس فضلاً عن جناحها العسكري» وقد جاءت حملات المداهمة تعبيراً صارخاً عن هذا التوجه .
ففي 7 آذار (مارس) 1996 شارك نحو 200 مسلح من عساكر سلطة الحكم الذاتي في اقتحام الجامعة الاسلامية في مدينة غزة، وعمدوا إلى تفتيش مبانيها لمدة ست ساعات حطموا خلالها الأبواب وأطلقوا الرصاص على الأقفال، كما نزعوا أسقف الاسبستوس واعتقلوا عدداً من حراس الجامعة بعد مصادرة ملفات وأشرطة كمبيوتر منها.
وفي 30 آذار (مارس) 1996 اقتحم العشرات من أفراد القوات البحرية التابعة لشرطة الحكم الذاتي - يقودهم ضابط برتبة مقدم يدعى طارق حسني - جامعة النجاح لتفريق اعتصام طلابي نفذ فيها احتجاجاً على ممارسات السلطة ضد أبناء ومؤسسات الشعب الفلسطيني، وقد أسفر اقتحام الجامعة عن اصابة عدد من الطلبة والطالبات بجراح وحالات اختناق، فيما أصيب عدد من الطالبات الحوامل بالاجهاض بعد تعرضهن للضرب على يد أفراد الشرطة، واعتقل في نهاية الاقتحام نحو 55 من طلبة الجامعة ومحاضريها.
وبعد نحو أسبوعين من الاحتجاجات الجماهيرية اضطر ياسر عرفات للاعتذار أمام الطلبة، والتعهد علناً بعدم تكرار الاعتداء على الجامعات الفلسطينية، غير أن أفراداً من شرطته عاودوا اقتحام الجامعة واطلاق النار باتجاه الطالب محمد صبحة القائم بأعمال رئيس مجلس الطلبة واعتقاله داخل حرم الجامعة بعد اعتذار عرفات بنحو أسبوع فقط.
لقد طالت حملات المداهمة والاقتحام عشرات المؤسسات الاجتماعية مثل جمعية الصلاح والجمعية الاسلامية والمجمع الاسلامي وفروعها والمدارس ورياض الأطفال والعيادات الصحية التابعة لها، وقد أقد م أفراد الشرطة على مصادرة ممتلكات من هذه المؤسسات بلغت حد مصادرة ألعاب مخصصة لحضانات ورياض أطفال تابعة لهذه الجمعيات ، كما صودرت سيارات وأجهزة مختلفة وحتى مواد غذائية من مؤسسات اجتماعية تعيل الأسر الفقيرة في خانيونس ورفح وغزة.
وقد سجلت حادثة اقتحام جديدة يوم 15 أيار (مايو) الجاري، عندما أقدم عناصر مما يسمى بالأمن الفلسطيني يرتدون الأزياء المدنية على مطاردة أحد طلبة جامعة بير زيت داخل حرم الجامعة في محاولة لاعتقاله، وقد انتهت المطاردة باعتقال الطالب والاعتداء بالضرب المبرح عليه أمام زملائه قبل اقتياده إلى مركز توقيف تابع للسلطة.
ثالثا - عملبات التعذيب :
في قسم يخضع لحراسة مشددة في أحد مراكز الاعتقال التابعة للسلطة في مدينة غزة يرقد الدكتور ابراهيم المقادمة في حالة صحية سيئة، وتفيد المعلومات المؤكدة أن الدكتور المقادمة تعرض لعملية تعذيب شديدة أدت الى تكسير قفصه الصدري وتجمع الدم تحت مناطق مختلفة من جلده، لقد تمّ ادخال الدكتور المقادمة عدة مرات إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة لعلاجه من آثار التعذيب الوحشي المستمر الذي يتعرض له أثناء التحقيق معه في سجون السلطة، وذلك بسبب رفضه تقديم اعترافات ومعلومات صاغتها أجهزة السلطة حول حركة "حماس" ، وتقول شخصيات من وجهاء قطاع غزة تمكنت من استصدار إذن بزيارته أن الدكتور المقادمة المعتقل منذ شهرين محتجز في حالة صحية سيئة جدا، وأن آثار التعذيب لا تزال بادية على وجهه وجسمه.
كما تم تحطيم عظام ذراعي الشاب جمال جراح وهو من سكان مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، فيما يرقد معتقلون آخرون في مستشفيات فلسطينية تحت الحراسة المشددة بعد تدهور أوضاعهم الصحية جراء التعذيب الوحشي الذي يتعرضون له داخل معتقلات السلطة لإرغامهم على الاعتراف أو انتزاع معلومات منهم أثناء التحقيقات.
إن حالة الدكتور المقادمة ليست إلا انعكاساً بشعاً لوسائل التعذيب المستخدمة ضد المعتقلين في سجون السلطة، حيث يؤكد معتقلون أفرج عنهم أن وسائل مثل وضع المعتقلين في خزانات المياه لمدة أربعة أيام حتى يفشو فيها الماء ثم تعريضهم للضرب المبرح مما يسبب آلاماً لا تطاق ، بالاضافة إلى تكسير العظام ونتف شعر الرأس واللحية والشّبح والتعليق في الهواء من القدمين والضرب باستخدام الهراوات والعصي الغليظة وأسلاك الكهرباء المجدولة باتت كلها وسائل روتينية مستخدمة أثناء التحقيق مع المعتقلين.
وفي شهادة تحت القسم نشرها نادي الأسير الفلسطيني، يروي الشاب علاء محمود يونس العزة وهو من سكان مخيم العزة في مدينة بيت لحم تفاصيل اعتقاله يوم 22 كانون ثاني (يناير) 1996 والاعتداء عليه بالضرب المبرح من قبل رجال الاستخبارات العسكرية في مدينة بيت لحم، مشيراً إلى أن ضابطاً برتبة ملازم أول أمر بتعذيبه حيث «حضر شخص اسمه إلياس وآخر لا أعرف اسمه وبدأ إلياس بالضرب وحاولت منعه فأحضر قيوداً حديدية وقيدني بيدي إلى الخلف أثناء جلوسي على كرسي ووقف خلفي وأخذ يضغط برجليه وهو شخص ضخم على القيود ويضغط بيديه على اكتافي» بينما كان الملازم المذكور يتولى استجوابه حتى سال الدم من معصميه جراء الضغط على القيود الحديدية فيهما، «ثم قام إلياس بفك القيود وقيدني من الأمام وأخذني إلياس والعسكري الآخر إلى غرفة مجاورة وأعادوا عليّ نفس الأسئلة وضربوني كفوف وبوكسات باليدين والرجلين وأخرجوني مرة أخرى، وأثناء مروري في الممر صار يصرخ عليّ إلياس لا تنظر في الناس، وضربني بوكس قوي على رأسي قرب العيون ومسك رأسي وضربه في الحائط بقوة ثم أدخلني إلى الغرفة الأولى، وسألوا نفس الأسئلة، وكان ماجد (الملازم أول) وإلياس والعسكري الآخر يواصلون ضربي (..) ووضع القيود في الخلف ثم ربط القيود الحديدية في السقف وأخذ يشد الحبل بطريقة ترفع الأيدي المقيدة من الخلف إلى الأعلى، وأحضر سلكاً كهربائياً غليظاً ومجدولاً وعصا بنية اللون وبدؤوا بالضرب على مؤخرة الجسم والفخذين وصار يعد (..)، وضرب أكثر من مائة مرة بالعصا والسلك وكان الضارب إلياس وماجد (..)، وكان أثناء الضرب يشتمونني بشتائم بذيئة، وكان إلياس يقول أنا مسيحي ويسوع قال ستعيشون 90 سنة وعمري 30 وبقي لي 60 سأقضيها معك، واستمر بالضرب حتى كسرت القيود الحديدية وربطوا الحبل بيدي بنفس الوضع السابق بدل القيود وشد الحبل على الآخر، وصار يضرب أكثر من السابق ولم أصرخ فقال أنت حمار لا تحس وفكوا يدي وربطوا رجلي بدل يدي ورفعني بالمقلوب رأسي للأسفل وضربوني بنفس الطريقة السابقة (..)، وركزوا على صدري وكتفي والفخذين»، وحسب الشهادة فقد أطلق سراح علاء العزة بعد تدخل وجهاء المخيم.
وقد أكدت مصادر مختلفة استخدام وسائل تعذيب وحشية بحق المعتقلين في سجون السلطة ، اذ أعلن هانو هيلينين المقرر الفنلندي لتقرير الأمم المتحدة حول الأراضي المحتلة أنه «يجب الاعلان بوضوح عن وجود انتهاكات لحقوق الانسان» مشدداً على أن «أحداً لم ينكر هذه الانتهاكات خلال المحادثات مع المسؤولين في السلطة الفلسطينية».
ويؤكد اللواء محمد جهاد قائد قوات العاصفة في حركة التحرير الوطني الفلسطيتي "فتح" أن تعذيباً «لا يطاق» يمارس بحق المعتقلين في سجون سلطة الحكم الذاتي، مشيراً إلى أن تقارير دورية يتلقاها تؤكد حدوث أعمال تعذيب منتظمة في هذه السجون، وكانت منظمات الدفاع عن حقوق الانسان أكدت أن عدداً من المعتقلين توفوا في سجون السلطة خلال عمليات تعذيب تعرضوا لها في وقت سابق، حيث توفي فريد جربوع وسلمان جلايطة وتوفيق علي السواركة أثناء احتجازهم في سجون تابعة لأجهزة الحكم الذاتي نتيجة تعرضهم للتعذيب خلال التحقيقات.
وقد شهدت عدة معتقلات تديرها سلطة الحكم الذاتي إضرابات عن الطعام استمر بعضها أكثر من أسبوعين كما حصل في بيت لحم، وقد عمدت السلطة إلى معاقبة المعتقلين بنقلهم إلى سجون أريحا بعيداً عن مناطق سكناهم، علماً بأن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان منعت من التدخل لتنفيذ طلبات المعتقلين.
رابعاً - عمليات الاغتيال:
في الأول من شهر نيسان (أبريل) 1994اقتاد مسلحون يرتدون ثياباً مدنية عرفوا بنشاطهم في جهاز استخبارات السلطة المواطن محمود الجندي وهو من سكان مخيم جباليا للاجئين إلى خارج المخيم وعمدوا إلى إطلاق النار عليه من مسافة قريبة مما أدى إلى مقتله.
ولم تكن حادثة اغتيال الجندي الحادثة الوحيدة في هذا المجال، إذ تشير التقارير والمعلومات الموثقة أن رجال السلطة نفذوا سلسلة اعتداءات استهدفت حياة مدنيين فلسطينيين مما أدى إلى استشهاد نحو 25 فلسطينياً، منهم 14 فلسطينياً استشهدوا عندما فتح أفراد الشرطة النار على المصلين خارج مسجد فلسطين في 18 تشرين ثاني (نوفمبر) 1994.
وفي 3 شباط (فبراير) 1996 أطلق أفراد الشرطة النار داخل منزل في مخيم الشاطىء في قطاع غزة على الشابين عمر الأعرج وأيمن الرزاينة وهما مجاهدان من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تتهمهما سلطات الاحتلال الصهيوني بالتخطيط لعملية بيت ليد البطولية مما أدى الى استشهادهما.
وقد كانت آخر هذه الاعتداءات عندما فتح أفراد من شرطة الحكم الذاتي النار على سيارة المواطن تيسير اللوزي قرب مدينة رام الله في الضفة الغربية يوم 31 آذار (مارس) 1996 مما أدى الى استشهاده.
وفي كل الجرئم السابقة لم يقدم أي من القتلة للتحقيق ، كما أن جميع لجان التحقيق التي أعلنت السلطة تشكيلها لم تعلن نتائج عملها كما لا يعرف ما إذا كانت هذه اللجان قد مارست عملا ًبعد الاعلان عنها أم لا.
خامساً : محكمة أمن السلطة :
في السابع من شباط (فبراير) 1995 أعلن رئيس سلطة الحكم الذاتي ياسر عرفات تشكيل "محكمة أمن الدولة"، وقد أصدرت المحكمة منذ انشائها وحتى 18 أيار (مايو) الجاري 33 حكماً قضائياً ضد 33 مواطناً تتراوح أعمارهم بين 14 عاما إلى 50 عاما ، وقد تراوحت الأحكام الصادرة ما بين سجن لمدة شهرين والسجن مدى الحياة.
وتراوحت الفترة الزمنية من يوم الاعتقال الى يوم المحاكمة ما بين أقل من يوم واحد الى 120 يوماً لمن تم اعتقالهم قبل قرار انشاء المحكمة )8 أحكام على الأقل صدرت على المعتقلين في نفس يوم اعتقالهم)، وقد كان آخر هؤلاء الشاب إياد الرفاعي الذي اتهمته السلطة الاسرئيلية بطعن مستوطن يهودي في الخليل واعتقلته شرطة الحكم الذاتي في اليوم التالي في مدينة بيت لحم حيث صدر عليه حكم بالسجن لمدة 12 عاماً مع الأشغال الشاقة.
وتؤكد المصادر الحقوقية انه لم تتح الفرصة للمعتقلين لتوكيل محامين للدفاع أو المرافعة عنهم، إذ تمت المحاكمات بعد منتصف الليل دون حضور محامي الدفاع، وبشكل سري جداً، كما لم تشهدها الصحافة والاعلام، ولم يتم نشر أي تفاصيل حول التهم أو المستندات الثبوتية للأحكام الصادرة او مداولات المحكمة .
وتتوزع التهم المزعومة بحق المتهمين ما بين تجنيد الافراد للقيام بعمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي (3 حالات)، والتحريض على القيام بالعمليات الانتحارية (5 حالات)، ونقل القنابل لاستخدامها ضد الاحتلال أو الإعداد للهجمات ضد الاسرائيليين أو حيازة سلاح بدون ترخيص (10) ، والمشاركة في جريمة قتل والاخلال بالأمن العام (2) ، ومحاولة تنفيذ عملية ضد الاسرائيليين (1) ، والاتجار بالسلاح بدون ترخيص أو بيع السلاح لحركة (حماس) (4) ، وكتابة مقالات ضد السلطة (1) ، وبيع أغذية فاسدة أو منتهية المدة (4 حالات) .
ويلحظ من خلال هذا التفصيل أن التهم تتوزع بين الدعاوى المدنية العادية والتهم الجنائية وبعض التهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير ، وبعضها يتعلق بالسلاح وتنظيم اقتنائه والتعامل معه ، فيما لم توجه أي تهمة محددة لأي معتقل تتناول قيامه بأعمال مسلحة أو عنيفة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة وأريحا ، وقد قدم للمحكمة أربعة متهمين على الأقل تم اعتقالهم قبل صدور قرار إنشاء محكمة أمن الدولة .
إن التفاصيل السابقة تؤكد أن الحملات التي شنتها أجهزة السلطة ضد نشطاء وكوادر فصائل المعارضة الفلسطينية لم تكن في سياق الدفاع عن أمن المجتمع الفلسطيني، إذ أن أياً ممن تم تقديمهم لمحاكم أمن الدولة منذ أعلن عن تشكيلها وحتى اليوم لم يتهم بتهديد أمن المجتمع الفلسطيني أو تنفيذ اعتداءات ضد أبنائه.
سادساً - التنسيق مع أجهزة الاستخبارات الصهيونية:
في واحد من تصريحاته اعلن رئيس سلطة الحكم الذاتي ياسر عرفات «سنواصل تنسيقنا مع الحكومة الاسرائيلية لمنع هذا النشاط» في اشارة الى نشاط فصائل المقاومة الفلسطينية ، وقد جاء اعلان عرفات ليشكل تصريحاً بالتنسيق المعلن والتام بين اجهزة السلطة واجهزة الاستخبارات الصهيونية.
في وقت لاحق اعلنت مصادر في السلطة ان السلطة اعتقلت 11 مواطناً فلسطينياً كانت السلطات الصهيونية طالبت باعتقالهم ضمن قائمة من 13 شخصاً قدمتها الى السلطة.
فيما أكد غازي جبالي «سنواصل التعاون مع القوى الامنية الاسرائيلية ضد كل المجموعات التي تعمل ضد السلام وسنضربها» .
ولم يقتصر هذا التعاون على السلطات الصهيونية بل تم توسيعه ليشمل الولايات المتحدة التي دخلت للمشاركة في الحرب المعلنة على فصائل الفلسطينية المعارضة للعملية السلمية ، حيث عقد في اعقاب اختتام مؤتمر شرم الشيخ اجتماع بين كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الامريكية "CIA" ونظرائهم في أجهزة الاستخبارات التابعة للصهاينة ولسلطة الحكم الذاتي جرى خلاله تبادل مقترحات للتعاون في الحرب ضد حركة "حماس".
وفي اشارة إلى الاسباب التي ادت الى عقد مثل هذا الاجتماع ، قالت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية انه « لا المخابرات الامريكية ولا جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي " شين بيت " يعرف الكثير عن ( حركة ) "حماس" ولذلك سيحاول الجانبان حث الفلسطينيين على أن يقتسموا معهما ما لديهم من معلومات» .
أما محمود عباس ( ابو مازن ) الذي هدد بأنه لن يرحم المسؤولين عن الهجمات ضد الاحتلال ، فقد دعا « القوات المسلحة الاسرائيلية الى تنسيق قمع حركة " حماس " مع أجهزة الأمن الفلسطينية »، مشدداً على امكانية تنظيم عمليات اسرائيلية - فلسطينية مشتركة ضد حركتي " حماس " والجهاد الاسلامي داخل مناطق الحكم الذاتي .
ولم يقتصر التناغم بين سلطة الحكم الذاتي واسرائيل على تصريحات المسؤولين فقط بل تعداها الى تنسيق عمليات المداهمة والاعتقال ، ففي 6 آذار ( مارس ) 1996 داهمت قوات الامن التابعة للسلطة مدنية جنين شمال الضفة الغربية واعتقلت عشرات المواطنين الفلسطينيين تشتبه بانتمائهم لحركة "حماس" فيما شن جنود الاحتلال الاسرائيلي حملة مداهمات مماثلة في مخيمات اللاجئين في المناطق المحيطة بالمدينة .
منذ إقامتها بموجب اتفاقات أوسلو تواصل سلطة الحكم الذاتي إجراءاتها ضد المجتمع المدني الفلسطيني، وقد شملت هذه الاجراءات حتى الآن حملات اعتقال واسعة وعنيفة ومداهمات ليلية شهدت عمليات تخريب وترويع ومصادرة للممتلكات العامة والخاصة في محاولة لضرب البنية التحتية للمجتمع المدني الفلسطيني ودفعه للإعتماد على سلطة الحكم الذاتي ومؤسساتها، ومن ثم فرض المزيد من القيود على الحياة المدنية التي ساهمت بشكل كبير في صمود المجتمع الفلسطيني واستقلاليته عن مجتمع الإحتلال.
لقد امتدت اعتداءات السلطة لتطال مؤسسات المجتمع الفلسطيني وحريات أفراده في التعبير والاعتقاد، ولتنتهك الحقوق الأساسية للإنسان والسياسية للمجتمع وسط تعتيم إعلامي شامل بلغ أحياناً حد التواطؤ بحجة عدم التشويش على مسيرة التسوية، في وقت تحصد فيه الصواريخ الصهيونية مئات الأطفال والنساء والشيوخ العزل في قرية قانا اللبنانية بحجة الدفاع عن أمن المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة.
إن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي أكدت ولا زالت حرصها على التعايش بين أبناء المجتمع الواحدباعتباره واحداً من أهم ضمانات الوحدة الوطنية في مواجهة محاولات ضربها صهيونياً، تضع هذه المذكرة بين أيديكم لكشف حجم الخطر الذي بات يتهدد المجتمع الفلسطيني جراء ممارسات السلطة وعقلية الهيمنة والتسلط التي سيطرت على تصرفاتها منذ دخولها مناطق الحكم الذاتي في تموز (يوليو) 1994.
أولاً - الاعتقالات:
بدأت سلطة الحكم الذاتي حملات الاعتقال ضد مؤيدي فصائل المقاومة الفلسطينية في 14 آب (اغسطس) 1994 أي بعد مرور حوالي شهر على دخول رئيس السلطة ياسر عرفات إلى قطاع غزة ، ففي ذلك اليوم شارك المئات من أفراد شرطة الحكم الذاتي في حملة اعتقالات واسعة طالت نحو 100 شاب فلسطيني يشتبه بتعاطفهم مع فصائل المقاومة.
وعلى مدار الأشهر التالية واصلت سلطة الحكم الذاتي حملات اعتقال مماثلة، إلا أن أعنفها وأوسعها كانت الحملة الأخيرة التي بدأتها أجهزة السلطة في 25 شباط (فبراير) 1996، واستمرت قرابة ستة أشهر دون توقف، ففي 25 شباط (فبراير) 1996 شن عساكر السلطة حملة اعتقالات في مناطق مختلفة من مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية طالت نحو 40 فلسطينياً، وفي اليوم التالي واصل عساكر السلطة حملاتهم حيث اعتقلوا 187 مواطناً آخر معلنين بداية أوسع حملة اعتقالات في تاريخ السلطة القصير ضد نشطاء وأنصار فصائل المقاومة.
وفي 13 نيسان (أبريل) 1996 أي بعد مرور أقل من شهرين على بدء الحملة أعلن مسؤولون في سلطة الحكم الذاتي أن عدد المعتقلين للاشتباه بعلاقتهم بقوى المعارضة بلغ 900 معتقل، أي أن معدل الاعتقال بلغ 18 معتقلا في اليوم الواحد.
وشملت حملات الاعتقال التي تزامنت مع حملة اعتقالات موازية يقوم بها جنود الاحتلال الصهيوني مداهمات وعمليات ترويع للمدنيين، وطالت مئات الطلبة والأكاديميين والناشطين في المجالات الاجتماعية، كما شملت أعمال الاعتقال احتجاز الأولاد والأشقاء كرهائن الى حين تسليم المشتبه بانتمائهم لحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي أنفسهم، وقد لجأ أفراد السلطة في كثير من الأحيان إلى تهديد المعتقلين بالاعتداء على زوجاتهم وبناتهم وشقيقاتهم خلال عمليات التحقيق معهم لارغامهم على الإدلاء باعترافات أو تزويد السلطة بمعلومات حول أنشطة فصائل المقاومة.
وقد وصف محمد دحلان مسؤول ما يسمى بجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة حملة السلطة ضد أنصار حركتي "حماس" والجهاد الاسلامي بأنها «أكبر حملة يشهدها قطاع غزة منذ احتلاله عام 1967».
ولم تتوقف الاعتقالات عند النشطاء المشتبه بعلاقتهم بهجمات بطولية استهدفت المحتلين الصهاينة، بل امتدت إلى عدد من الصحفيين والحقوقيين والأكاديميين وحتى القادة السياسيين الذين شاركوا في حوارات سابقة مع سلطة الحكم الذاتي، إذ اعتقل عساكر السلطة الدكتور محمود الزهار والشيخ أحمد بحر والشيخ سيد أبو مسامح وهم من المشاركين في حوارات سابقة مع السلطة استهدفت نزع فتيل التوتر في مناطق الحكم الذاتي، كما طالت الاعتقالات أكاديميين بارزين مثل الدكتور عبد الستار قاسم المحاضر في جامعة النجاح والمعروف بمواقفه الرافضة لسياسات الحكم الذاتي، والدكتور ابراهيم المقادمة المحاضر في الجامعة الاسلامية في غزة والدكتور محمد شبط رئيس الكلية التكنولوجية والدكتور عاطف اسماعيل المحاضر الجامعي في غزة، بالاضافة الى عدد من الصحفيين الفلسطينيين عرف منهم رزق حتمو مراسل صحيفة الحياة الجديدة المقربة من سلطة الحكم الذاتي، والصحفي أيمن سلامة مراسل صحيفة الحياة، والدكتور غازي حمد نائب رئيس تحرير صحيفة الوطن الصادرة في قطاع غزة، ومن بين المعتقلين أيضا نشطاء في منظمات حقوقية كانوا قد أشاروا بانتقاد الى ممارسات السلطة وطالبوا بوقف انتهاكاتها المتكررة لحقوق الانسان، حيث احتجز الدكتور إياد السّراج المسؤول في المفوضية العليا لحقوق الإنسان الفلسطيني لمدة تسعة ساعات تعرض خلالها للتحقيق على خلفية نشاطه في الدفاع عن حقوق الانسان في مناطق الحكم الذاتي.
وتشير حادثة اعتقال الصحفي فايز نور الدين وهو مصور يعمل لحساب وكالة الصحافة الفرنسية في قطاع غزة، والاعتداء عليه بالضرب المبرح من قبل أفراد إدارة المباحث العامة مما أدى إلى إصابته بكدمات بالغة في مختلف أنحاء جسمه وجرح في ذراعه، قبل إحتجازه لفترة استمرت أكثر من عشر ساعات بتهمة التقاط صورة حمار على شاطئ غزة اعتبرها ممثلو السلطة محاولة لتشويه صورة مناطق الحكم الذاتي، تشير هذه الحادثة إلى طبيعة العقلية التي تحكم سلوكيات السلطة وأجهزتها تجاه المجتمع المدني الفلسطيني.
ثانياً - المداهمات:
في سياق حملتها ضد فصائل المقاومة داهم عساكر السلطة عشرات المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والصحية بحجة الاشتباه بعلاقتها مع هذه الفصائل، بينما اعلن نصر يوسف قائد الشرطة في غزة ان قواته « عاقدة العزم على تدمير الهياكل المدنية لحماس فضلاً عن جناحها العسكري» وقد جاءت حملات المداهمة تعبيراً صارخاً عن هذا التوجه .
ففي 7 آذار (مارس) 1996 شارك نحو 200 مسلح من عساكر سلطة الحكم الذاتي في اقتحام الجامعة الاسلامية في مدينة غزة، وعمدوا إلى تفتيش مبانيها لمدة ست ساعات حطموا خلالها الأبواب وأطلقوا الرصاص على الأقفال، كما نزعوا أسقف الاسبستوس واعتقلوا عدداً من حراس الجامعة بعد مصادرة ملفات وأشرطة كمبيوتر منها.
وفي 30 آذار (مارس) 1996 اقتحم العشرات من أفراد القوات البحرية التابعة لشرطة الحكم الذاتي - يقودهم ضابط برتبة مقدم يدعى طارق حسني - جامعة النجاح لتفريق اعتصام طلابي نفذ فيها احتجاجاً على ممارسات السلطة ضد أبناء ومؤسسات الشعب الفلسطيني، وقد أسفر اقتحام الجامعة عن اصابة عدد من الطلبة والطالبات بجراح وحالات اختناق، فيما أصيب عدد من الطالبات الحوامل بالاجهاض بعد تعرضهن للضرب على يد أفراد الشرطة، واعتقل في نهاية الاقتحام نحو 55 من طلبة الجامعة ومحاضريها.
وبعد نحو أسبوعين من الاحتجاجات الجماهيرية اضطر ياسر عرفات للاعتذار أمام الطلبة، والتعهد علناً بعدم تكرار الاعتداء على الجامعات الفلسطينية، غير أن أفراداً من شرطته عاودوا اقتحام الجامعة واطلاق النار باتجاه الطالب محمد صبحة القائم بأعمال رئيس مجلس الطلبة واعتقاله داخل حرم الجامعة بعد اعتذار عرفات بنحو أسبوع فقط.
لقد طالت حملات المداهمة والاقتحام عشرات المؤسسات الاجتماعية مثل جمعية الصلاح والجمعية الاسلامية والمجمع الاسلامي وفروعها والمدارس ورياض الأطفال والعيادات الصحية التابعة لها، وقد أقد م أفراد الشرطة على مصادرة ممتلكات من هذه المؤسسات بلغت حد مصادرة ألعاب مخصصة لحضانات ورياض أطفال تابعة لهذه الجمعيات ، كما صودرت سيارات وأجهزة مختلفة وحتى مواد غذائية من مؤسسات اجتماعية تعيل الأسر الفقيرة في خانيونس ورفح وغزة.
وقد سجلت حادثة اقتحام جديدة يوم 15 أيار (مايو) الجاري، عندما أقدم عناصر مما يسمى بالأمن الفلسطيني يرتدون الأزياء المدنية على مطاردة أحد طلبة جامعة بير زيت داخل حرم الجامعة في محاولة لاعتقاله، وقد انتهت المطاردة باعتقال الطالب والاعتداء بالضرب المبرح عليه أمام زملائه قبل اقتياده إلى مركز توقيف تابع للسلطة.
ثالثا - عملبات التعذيب :
في قسم يخضع لحراسة مشددة في أحد مراكز الاعتقال التابعة للسلطة في مدينة غزة يرقد الدكتور ابراهيم المقادمة في حالة صحية سيئة، وتفيد المعلومات المؤكدة أن الدكتور المقادمة تعرض لعملية تعذيب شديدة أدت الى تكسير قفصه الصدري وتجمع الدم تحت مناطق مختلفة من جلده، لقد تمّ ادخال الدكتور المقادمة عدة مرات إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة لعلاجه من آثار التعذيب الوحشي المستمر الذي يتعرض له أثناء التحقيق معه في سجون السلطة، وذلك بسبب رفضه تقديم اعترافات ومعلومات صاغتها أجهزة السلطة حول حركة "حماس" ، وتقول شخصيات من وجهاء قطاع غزة تمكنت من استصدار إذن بزيارته أن الدكتور المقادمة المعتقل منذ شهرين محتجز في حالة صحية سيئة جدا، وأن آثار التعذيب لا تزال بادية على وجهه وجسمه.
كما تم تحطيم عظام ذراعي الشاب جمال جراح وهو من سكان مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، فيما يرقد معتقلون آخرون في مستشفيات فلسطينية تحت الحراسة المشددة بعد تدهور أوضاعهم الصحية جراء التعذيب الوحشي الذي يتعرضون له داخل معتقلات السلطة لإرغامهم على الاعتراف أو انتزاع معلومات منهم أثناء التحقيقات.
إن حالة الدكتور المقادمة ليست إلا انعكاساً بشعاً لوسائل التعذيب المستخدمة ضد المعتقلين في سجون السلطة، حيث يؤكد معتقلون أفرج عنهم أن وسائل مثل وضع المعتقلين في خزانات المياه لمدة أربعة أيام حتى يفشو فيها الماء ثم تعريضهم للضرب المبرح مما يسبب آلاماً لا تطاق ، بالاضافة إلى تكسير العظام ونتف شعر الرأس واللحية والشّبح والتعليق في الهواء من القدمين والضرب باستخدام الهراوات والعصي الغليظة وأسلاك الكهرباء المجدولة باتت كلها وسائل روتينية مستخدمة أثناء التحقيق مع المعتقلين.
وفي شهادة تحت القسم نشرها نادي الأسير الفلسطيني، يروي الشاب علاء محمود يونس العزة وهو من سكان مخيم العزة في مدينة بيت لحم تفاصيل اعتقاله يوم 22 كانون ثاني (يناير) 1996 والاعتداء عليه بالضرب المبرح من قبل رجال الاستخبارات العسكرية في مدينة بيت لحم، مشيراً إلى أن ضابطاً برتبة ملازم أول أمر بتعذيبه حيث «حضر شخص اسمه إلياس وآخر لا أعرف اسمه وبدأ إلياس بالضرب وحاولت منعه فأحضر قيوداً حديدية وقيدني بيدي إلى الخلف أثناء جلوسي على كرسي ووقف خلفي وأخذ يضغط برجليه وهو شخص ضخم على القيود ويضغط بيديه على اكتافي» بينما كان الملازم المذكور يتولى استجوابه حتى سال الدم من معصميه جراء الضغط على القيود الحديدية فيهما، «ثم قام إلياس بفك القيود وقيدني من الأمام وأخذني إلياس والعسكري الآخر إلى غرفة مجاورة وأعادوا عليّ نفس الأسئلة وضربوني كفوف وبوكسات باليدين والرجلين وأخرجوني مرة أخرى، وأثناء مروري في الممر صار يصرخ عليّ إلياس لا تنظر في الناس، وضربني بوكس قوي على رأسي قرب العيون ومسك رأسي وضربه في الحائط بقوة ثم أدخلني إلى الغرفة الأولى، وسألوا نفس الأسئلة، وكان ماجد (الملازم أول) وإلياس والعسكري الآخر يواصلون ضربي (..) ووضع القيود في الخلف ثم ربط القيود الحديدية في السقف وأخذ يشد الحبل بطريقة ترفع الأيدي المقيدة من الخلف إلى الأعلى، وأحضر سلكاً كهربائياً غليظاً ومجدولاً وعصا بنية اللون وبدؤوا بالضرب على مؤخرة الجسم والفخذين وصار يعد (..)، وضرب أكثر من مائة مرة بالعصا والسلك وكان الضارب إلياس وماجد (..)، وكان أثناء الضرب يشتمونني بشتائم بذيئة، وكان إلياس يقول أنا مسيحي ويسوع قال ستعيشون 90 سنة وعمري 30 وبقي لي 60 سأقضيها معك، واستمر بالضرب حتى كسرت القيود الحديدية وربطوا الحبل بيدي بنفس الوضع السابق بدل القيود وشد الحبل على الآخر، وصار يضرب أكثر من السابق ولم أصرخ فقال أنت حمار لا تحس وفكوا يدي وربطوا رجلي بدل يدي ورفعني بالمقلوب رأسي للأسفل وضربوني بنفس الطريقة السابقة (..)، وركزوا على صدري وكتفي والفخذين»، وحسب الشهادة فقد أطلق سراح علاء العزة بعد تدخل وجهاء المخيم.
وقد أكدت مصادر مختلفة استخدام وسائل تعذيب وحشية بحق المعتقلين في سجون السلطة ، اذ أعلن هانو هيلينين المقرر الفنلندي لتقرير الأمم المتحدة حول الأراضي المحتلة أنه «يجب الاعلان بوضوح عن وجود انتهاكات لحقوق الانسان» مشدداً على أن «أحداً لم ينكر هذه الانتهاكات خلال المحادثات مع المسؤولين في السلطة الفلسطينية».
ويؤكد اللواء محمد جهاد قائد قوات العاصفة في حركة التحرير الوطني الفلسطيتي "فتح" أن تعذيباً «لا يطاق» يمارس بحق المعتقلين في سجون سلطة الحكم الذاتي، مشيراً إلى أن تقارير دورية يتلقاها تؤكد حدوث أعمال تعذيب منتظمة في هذه السجون، وكانت منظمات الدفاع عن حقوق الانسان أكدت أن عدداً من المعتقلين توفوا في سجون السلطة خلال عمليات تعذيب تعرضوا لها في وقت سابق، حيث توفي فريد جربوع وسلمان جلايطة وتوفيق علي السواركة أثناء احتجازهم في سجون تابعة لأجهزة الحكم الذاتي نتيجة تعرضهم للتعذيب خلال التحقيقات.
وقد شهدت عدة معتقلات تديرها سلطة الحكم الذاتي إضرابات عن الطعام استمر بعضها أكثر من أسبوعين كما حصل في بيت لحم، وقد عمدت السلطة إلى معاقبة المعتقلين بنقلهم إلى سجون أريحا بعيداً عن مناطق سكناهم، علماً بأن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان منعت من التدخل لتنفيذ طلبات المعتقلين.
رابعاً - عمليات الاغتيال:
في الأول من شهر نيسان (أبريل) 1994اقتاد مسلحون يرتدون ثياباً مدنية عرفوا بنشاطهم في جهاز استخبارات السلطة المواطن محمود الجندي وهو من سكان مخيم جباليا للاجئين إلى خارج المخيم وعمدوا إلى إطلاق النار عليه من مسافة قريبة مما أدى إلى مقتله.
ولم تكن حادثة اغتيال الجندي الحادثة الوحيدة في هذا المجال، إذ تشير التقارير والمعلومات الموثقة أن رجال السلطة نفذوا سلسلة اعتداءات استهدفت حياة مدنيين فلسطينيين مما أدى إلى استشهاد نحو 25 فلسطينياً، منهم 14 فلسطينياً استشهدوا عندما فتح أفراد الشرطة النار على المصلين خارج مسجد فلسطين في 18 تشرين ثاني (نوفمبر) 1994.
وفي 3 شباط (فبراير) 1996 أطلق أفراد الشرطة النار داخل منزل في مخيم الشاطىء في قطاع غزة على الشابين عمر الأعرج وأيمن الرزاينة وهما مجاهدان من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تتهمهما سلطات الاحتلال الصهيوني بالتخطيط لعملية بيت ليد البطولية مما أدى الى استشهادهما.
وقد كانت آخر هذه الاعتداءات عندما فتح أفراد من شرطة الحكم الذاتي النار على سيارة المواطن تيسير اللوزي قرب مدينة رام الله في الضفة الغربية يوم 31 آذار (مارس) 1996 مما أدى الى استشهاده.
وفي كل الجرئم السابقة لم يقدم أي من القتلة للتحقيق ، كما أن جميع لجان التحقيق التي أعلنت السلطة تشكيلها لم تعلن نتائج عملها كما لا يعرف ما إذا كانت هذه اللجان قد مارست عملا ًبعد الاعلان عنها أم لا.
خامساً : محكمة أمن السلطة :
في السابع من شباط (فبراير) 1995 أعلن رئيس سلطة الحكم الذاتي ياسر عرفات تشكيل "محكمة أمن الدولة"، وقد أصدرت المحكمة منذ انشائها وحتى 18 أيار (مايو) الجاري 33 حكماً قضائياً ضد 33 مواطناً تتراوح أعمارهم بين 14 عاما إلى 50 عاما ، وقد تراوحت الأحكام الصادرة ما بين سجن لمدة شهرين والسجن مدى الحياة.
وتراوحت الفترة الزمنية من يوم الاعتقال الى يوم المحاكمة ما بين أقل من يوم واحد الى 120 يوماً لمن تم اعتقالهم قبل قرار انشاء المحكمة )8 أحكام على الأقل صدرت على المعتقلين في نفس يوم اعتقالهم)، وقد كان آخر هؤلاء الشاب إياد الرفاعي الذي اتهمته السلطة الاسرئيلية بطعن مستوطن يهودي في الخليل واعتقلته شرطة الحكم الذاتي في اليوم التالي في مدينة بيت لحم حيث صدر عليه حكم بالسجن لمدة 12 عاماً مع الأشغال الشاقة.
وتؤكد المصادر الحقوقية انه لم تتح الفرصة للمعتقلين لتوكيل محامين للدفاع أو المرافعة عنهم، إذ تمت المحاكمات بعد منتصف الليل دون حضور محامي الدفاع، وبشكل سري جداً، كما لم تشهدها الصحافة والاعلام، ولم يتم نشر أي تفاصيل حول التهم أو المستندات الثبوتية للأحكام الصادرة او مداولات المحكمة .
وتتوزع التهم المزعومة بحق المتهمين ما بين تجنيد الافراد للقيام بعمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي (3 حالات)، والتحريض على القيام بالعمليات الانتحارية (5 حالات)، ونقل القنابل لاستخدامها ضد الاحتلال أو الإعداد للهجمات ضد الاسرائيليين أو حيازة سلاح بدون ترخيص (10) ، والمشاركة في جريمة قتل والاخلال بالأمن العام (2) ، ومحاولة تنفيذ عملية ضد الاسرائيليين (1) ، والاتجار بالسلاح بدون ترخيص أو بيع السلاح لحركة (حماس) (4) ، وكتابة مقالات ضد السلطة (1) ، وبيع أغذية فاسدة أو منتهية المدة (4 حالات) .
ويلحظ من خلال هذا التفصيل أن التهم تتوزع بين الدعاوى المدنية العادية والتهم الجنائية وبعض التهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير ، وبعضها يتعلق بالسلاح وتنظيم اقتنائه والتعامل معه ، فيما لم توجه أي تهمة محددة لأي معتقل تتناول قيامه بأعمال مسلحة أو عنيفة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة وأريحا ، وقد قدم للمحكمة أربعة متهمين على الأقل تم اعتقالهم قبل صدور قرار إنشاء محكمة أمن الدولة .
إن التفاصيل السابقة تؤكد أن الحملات التي شنتها أجهزة السلطة ضد نشطاء وكوادر فصائل المعارضة الفلسطينية لم تكن في سياق الدفاع عن أمن المجتمع الفلسطيني، إذ أن أياً ممن تم تقديمهم لمحاكم أمن الدولة منذ أعلن عن تشكيلها وحتى اليوم لم يتهم بتهديد أمن المجتمع الفلسطيني أو تنفيذ اعتداءات ضد أبنائه.
سادساً - التنسيق مع أجهزة الاستخبارات الصهيونية:
في واحد من تصريحاته اعلن رئيس سلطة الحكم الذاتي ياسر عرفات «سنواصل تنسيقنا مع الحكومة الاسرائيلية لمنع هذا النشاط» في اشارة الى نشاط فصائل المقاومة الفلسطينية ، وقد جاء اعلان عرفات ليشكل تصريحاً بالتنسيق المعلن والتام بين اجهزة السلطة واجهزة الاستخبارات الصهيونية.
في وقت لاحق اعلنت مصادر في السلطة ان السلطة اعتقلت 11 مواطناً فلسطينياً كانت السلطات الصهيونية طالبت باعتقالهم ضمن قائمة من 13 شخصاً قدمتها الى السلطة.
فيما أكد غازي جبالي «سنواصل التعاون مع القوى الامنية الاسرائيلية ضد كل المجموعات التي تعمل ضد السلام وسنضربها» .
ولم يقتصر هذا التعاون على السلطات الصهيونية بل تم توسيعه ليشمل الولايات المتحدة التي دخلت للمشاركة في الحرب المعلنة على فصائل الفلسطينية المعارضة للعملية السلمية ، حيث عقد في اعقاب اختتام مؤتمر شرم الشيخ اجتماع بين كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الامريكية "CIA" ونظرائهم في أجهزة الاستخبارات التابعة للصهاينة ولسلطة الحكم الذاتي جرى خلاله تبادل مقترحات للتعاون في الحرب ضد حركة "حماس".
وفي اشارة إلى الاسباب التي ادت الى عقد مثل هذا الاجتماع ، قالت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية انه « لا المخابرات الامريكية ولا جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي " شين بيت " يعرف الكثير عن ( حركة ) "حماس" ولذلك سيحاول الجانبان حث الفلسطينيين على أن يقتسموا معهما ما لديهم من معلومات» .
أما محمود عباس ( ابو مازن ) الذي هدد بأنه لن يرحم المسؤولين عن الهجمات ضد الاحتلال ، فقد دعا « القوات المسلحة الاسرائيلية الى تنسيق قمع حركة " حماس " مع أجهزة الأمن الفلسطينية »، مشدداً على امكانية تنظيم عمليات اسرائيلية - فلسطينية مشتركة ضد حركتي " حماس " والجهاد الاسلامي داخل مناطق الحكم الذاتي .
ولم يقتصر التناغم بين سلطة الحكم الذاتي واسرائيل على تصريحات المسؤولين فقط بل تعداها الى تنسيق عمليات المداهمة والاعتقال ، ففي 6 آذار ( مارس ) 1996 داهمت قوات الامن التابعة للسلطة مدنية جنين شمال الضفة الغربية واعتقلت عشرات المواطنين الفلسطينيين تشتبه بانتمائهم لحركة "حماس" فيما شن جنود الاحتلال الاسرائيلي حملة مداهمات مماثلة في مخيمات اللاجئين في المناطق المحيطة بالمدينة .