ضعف ميزانية وزارة الصحة هل يحرم المواطن من حقه في العلاج ؟
تحقيق: زينب حافظ تكبير الخط
منذ سنوات طويلة امتدت إلى ما قبل استقلال مملكة البحرين والعلاج يقدم مجانا للجميع، إيمانا من وزارة الصحة بأن العلاج كالماء والهواء حق لكل إنسان، ولكن مع زيادة عدد السكان ومحدودية ميزانية الصحة، أصبح من الصعب الاستمرار في تقديم العلاج المجاني للجميع، وكان لابد من ان يتم تحصيل مبلغ رمزي من المقيمين كمساهمة منهم في تكلفة العلاج، وبالفعل أصبح المقيم يدفع مبلغ دينار نظير الكشف في المراكز الصحية أو مجمع السلمانية الطبي، ثم ارتفع المبلغ ليصبح ثلاثة دنانير.
ومؤخرا صرح وزير الصحة الدكتور فيصل الحمر بأن فاتورة الصحة في البحرين سوف ترتفع إلى أكثر 550 مليون دينار في السنة بحلول عام 2025، وان الحل يكمن في اللجوء إلى التأمين الصحي الإلزامي للأجانب ومن ثم للبحرينيين، وخاصة ان ميزانية الصحة الحالية لا تتعدى 170 مليون دينار في العام، وسوف ترتفع بنسبة 225% خلال الـ 16 عاما القادمة، مؤكدا ان تكلفة الخدمات الصحية ترتفع بصورة مهولة بحيث لن تستطيع أي حكومة مهما كان ثراؤها توفير خدمات صحية مجانية، ولذلك يصبح الخيار الوحيد هو فرض تأمين صحي إجباري للتعويض عن بعض التكاليف باهظة الثمن، حيث ينظر البرلمان حاليا مشروع بقانون لتطبيق التأمين الصحي الإلزامي على الأجانب ومن المتوقع ان تتم الموافقة عليه قريبا.
ولكن هل توجد في مملكة البحرين شركات تأمينية لديها إمكانيات مادية تستطيع بها تغطية نفقات علاج هذه الأعداد الكبيرة من المقيمين؟ وهل المستشفيات الخاصة لديها المساحة والاستعداد لاستقبال مختلف الحالات المرضية؟ ثم ما رأي أصحاب المشكلة أنفسهم سواء كانوا مقيمين أو بحرينيين، وما مدى استعدادهم لدفع نفقات علاجهم في حال موافقة مجلس النواب على تطبيق التأمين الصحي، أسئلة كثيرة طرحتها "أخبار الخليج" على كل الأطراف المعنية، ورصدت الإجابات خلال السطور التالية.
المواطنون
توجهنا بالسؤال إلى فئات متباينة من المواطنين، منهم من وصل إلى سن التقاعد ومع ذلك مازال يعمل نظرا لأنه لا يتقاضى راتبا تقاعديا، وآخرون في أواسط العمر، منهم الموظف وآخرون بالأعمال الحرة، وكانت البداية مع عبدالله إبراهيم ويعمل مدرب سياقه أي لا يوجد لديه تأمين يستحق عنه معاشا تقاعديا، وقد ابدى تعجبه من هذا الاقتراح مشيرا إلى ان كلة دول الخليج تقدم العلاج على أفضل مستوى، وتجري العمليات الجراحية مجانا، مؤكدا ان العلاج ليس رفاهية حتى ندخله ضمن قوائم محدودية الميزانية، وإذا كان هناك عجز فيتم توجيه المبالغ التي تخرج في صورة مساعدات للدول الأخرى لكفاية أبناء البلد أولا، وما يتبقى يتم التبرع به، ثم ان هناك فئة من الناس تقوم بصرف أدوية من المستشفيات وتقوم ببيعها مما يشكل عبئا إضافيا على الميزانية.
ويؤيده حمد الشيخ البالغ السبعين من عمره، فيقول: توجد فئات كثيرة لا تجد من يصرف عليها فهل من المعقول ان نحرمها من حق تخفيف آلامها بتلقي الاهتمام والعلاج الذي يستحقونه خاصة بعد ان افنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن، كما ان هناك رجالا وصلوا إلى سن التقاعد ولا توجد لهم تأمينات وبالتالي لا يستحقون معاشا تقاعديا، فمن أين يأتون بقيمة التأمين الصحي إلا إذا كانت الدولة سوف تدفع لهم قيمة التأمين لتخفيف العبء عن مستشفى السلمانية.
وبمنتهى الانفعال يقول هاشل المناعي: هذا قرار غير مدروس وسوف ينتج عنه الكثير من المشاكل، إذ كيف يعالج المواطن بفلوس، ألا يكفي اننا نقف في طوابير العلاج بمستشفى السلمانية، نحن نطالب بإنشاء مستشفى آخر كي نتلقى علاجا مرتفع المستوى لأننا نستحق ذلك، لا ان نحرم من حقنا على الوطن في تلقى العلاج.
وعلى النقيض يؤكد خالد علي بورشيد انه يرفض الذهاب إلى مستشفى السلمانية لتلقي العلاج مجانا لعدم ثقته في الخدمة المقدمة، بالإضافة إلى أنهم يعالجون كل الأمراض بالبنادول، ولذلك فهو يذهب إلى الطب الخاص لتلقي العلاج، وبالتالي لا يفرق معه كثيرا ان يطبق نظام التأمين الصحي أو لا يطبق لان الأمر لا يعنيه، ومع ذلك فهو يتمنى النهوض بمستشفى السلمانية حتى يستعيد ثقة المرضى.
أما الحاج احمد علي فهو في الثامنة والستين من عمره، ولا يحصل على معاش تقاعدي، ويقول انه يعاني الضغط وسيولة الدم ويصرف شهريا الأدوية الخاصة بهذه الأمراض، وزوجته مصابة بالقلب وبعدة أمراض أخرى وتتلقى العلاج في المستشفى العسكري، ولكنه يقوم بشراء العلاج الخاص بها على نفقته الخاصة، وهذا شيء مكلف جدا، ولا يعلم إذا تم تطبيق هذا النظام ماذا سيفعل وكيف يكمل باقي حياته بكرامة إذا كانت الدولة سوف تحرمهم من ابسط حقوقهم المتمثلة في العلاج.
المقيمون
فيما يؤكد الحاج سعيد عبدالقادر ويعمل في مملكة البحرين منذ ما يقارب الـ 30 عاما في احدى شركات القطاع الخاص انه أتى إلى مملكة البحرين عندما كان شابا في الرابعة والعشرين من عمره، وبعد كل هذه السنوات من الخدمة لم يتعد راتبه الـ 350 دينارا، وبعد ان يصل إلى التقاعد لن يستحق سوى مكافأة هزيلة نظرا لان راتبه صغير فكيف يدفع منه قيمة تأمين صحي له ولزوجته، مشيرا إلى ان صاحب أي عمل يجب ان يضمن علاج موظفيه، والتعامل مع امراضهم على أنها إصابة عمل، نظرا لأن أصحاب العمل قاموا بجلبهم من بلدانهم كي يساهموا في النمو الاقتصادي لمملكة البحرين واقل حقوقهم ان يتم تقديم العلاج المجاني لهم.
وتقول هدى احمد "تعمل بشركة قطاع خاص" ان اقل مستشفى خاص يحدد قيمة الكشف بما لا يقل عن 10 دنانير، هذا بخلاف قيمة الدواء التي قد لا تقل عن 30 دينارا، وفي حال لجوء المقيم إلى التأمين الصحي فسيجد نفسه يقوم بدفع مبلغ كبير سنويا لم يكن في حسبانه، مما يمثل عبئا جديدا يضاف الى مجموعة من الأعباء التي يعانيها بالفعل، ولا نعلم في حال الموافقة على هذا القانون، هل ستساهم الشركات التي نعمل بها في تطبيق نظام التأمين الصحي على موظفيها، أم سيتحمل الموظف هذا العبء الإضافي بمفرده، وإذا استطاع الموظف تحمل نفقات علاجه، هل العامل الآسيوي البسيط الذي لا يتعدى راتبه 70 أو 80 دينارا سوف يكون بمقدوره شراء مجرد قرص بنادول من راتبه الهزيل إذا أصيب بصداع فقط.
الطب الخاص
وعن قدرة المستشفيات الخاصة على استيعاب أعداد كبيرة من المرضى يقول مدير مستشفى الطب الدولية الدكتور اشرف المراغي، المشكلة ليست في قدرة المستشفيات الخاصة لأنها تستطيع التوسع لتقديم أفضل الخدمات الصحية، ويمكنها النمو بشكل أسرع من المستشفيات الحكومية إذا كان الاستثمار مشجع، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في قدرة شركات التأمين على توفير غطاء مادي يستوعب هذه الأعداد الكبيرة من المرضى، حتى لا تنتظر المستشفيات الخاصة شهورا طويلة كي تستطيع تحصيل مستحقاتها، إذ للأسف الثقة معدومة بين المستشفيات وشركات التأمين، وكل منهم يتصيد الأخطاء للآخر، نظرا لان الفواتير التي تذهب إلى شركات التأمين يقومون بخصم نصف قيمتها، معللين ذلك بارتفاع أسعار العلاج والعمليات الجراحية التي يتم إجراؤها، ويماطلون في الدفع، وهذا معناه الكف عن التعامل مع شركات التأمين، ولا نعلم هل هذه سياسة عامة، أم تأثر بالأزمة الاقتصادية، ولا يوجد من نتوجه إليه بشكوانا كي يتم رفع الظلم عنا، وحاليا طالبتنا وزارة الصحة بتقديم كشف بأسعار الخدمات الطبية ليتم اعتمادها، في محاولة لضبط أسعار المستشفيات الخاصة.
ويشير المراغي إلى انه في حال صدور قانون لتطبيق التأمين الصحي الإلزامي، لن تستطيع المستشفيات الخاصة علاج المرضى إذا كان التعامل مع شركات التأمين سوف يستمر بنفس الوضع، لان التأخير في دفع مستحقات المستشفيات سوف يؤدي إلى إغلاقها وهروب المستثمرين ولذلك يجب ان تكون هناك رقابة على شركات التأمين.
وتؤكد الرئيس التنفيذي لمستشفى الكندي التخصصي الدكتورة ابتسام الدلال أنهم بدأوا التوسع بالفعل لمضاعفة قدرة المستشفى الاستيعابية قبل حديث وزير الصحة، مشيرة إلى ان كل المستشفيات الخاصة تسعى حثيثا للتوسع لاستيعاب أعداد كبيرة من المرضى في حال تطبيق قرار التأمين الصحي الإلزامي على الأجانب، موضحة ان علاقتهم بالتأمين الصحي لا تشوبها شائبة وتسير على أفضل حال ولا يوجد مشاكل في زيادة التعاون بينهم.
التأمين
ويؤكد مدير الشبكة الطبية "ب مد نت" البحرين الدكتور أسامة طرباي ان أي شركة تأمين لا توجد لديها مشكلة في الأمور المادية وتستطيع تغطية تكلفة علاج أعداد كبيرة من المؤمن عليهم صحيا، لان كل شركات التأمين مدعومة بشركات إعادة تأمين عالمية، ولكن المشكلة الحقيقية هي نقص العمالة المدربة في صناعة التأمين، والتي تبدأ من بيع الخدمة وتحديد قيمة القسط التأميني، وتسجيل بيانات المؤمن عليه، ومراجعة الموافقات الطبية، والتعامل مع مقدمي الخدمة، وإحداث النظم الالكترونية للفواتير، وهذه المشكلة يمكن حلها بإيجاد نظام تدريب في شركات التأمين نفسها، بالإضافة إلى ان هناك معاهد تقدم دراسة متخصصة وتقوم بتخريج كوادر مؤهلة في هذه التخصصات، والمشكلة الأخرى تتعلق بعدم وجود ترميز "كود" للخدمات الطبية متفق عليه بين شركات التأمين والمستشفيات الخاصة.
{ تشكو المستشفيات من ان بعض شركات التأمين تماطل في دفع قيمة الفواتير، وتقوم بخصم نصف قيمتها؟
ــ من المفترض وجود كشف أسعار يناسب مستوى الخدمة المقدمة في كل مستشفى معتمد من وزارة الصحة، وتتم الموافقة عليه من قبل شركة التأمين قبل التعاقد مع المستشفى، مع إيضاح نوعية الخدمات الصحية المغطاة تأمينيا، والمشكلة ان هناك بعض المستشفيات لا تلتزم بذلك مما يولّد مشاكل بين الطرفين، وحاليا توجد تسع شركات تأمين في مملكة البحرين، تغطي التأمين الصحي لـ 85 ألف مستفيد، كما ان دخول وزارة الصحة بكل كوادرها كمقدم خدمة للمؤمنين سوف يساعد على وجود مناخ تنافسي جيد، وتحديد مستوى طبي عال ينعكس ايجابيا على الخدمة الطبية المؤمنة.
تكلفة مرتفعة
وقد ابدى مدير الصحة العامة سابقا الدكتور سمير خلفان عدم موافقته على تطبيق نظام التأمين الصحي وأوضح أسباب رفضه قائلا: الخدمات الصحية في البحرين كانت موجودة منذ العشرينيات، وبعد الاستقلال وضع الدكتور علي فخرو فلسفة الخدمات الصحية البحرينية الحديثة، وقد سارت على نهجنا في ذلك دول الخليج، إذ اعتمد هذا النظام الذي قمنا باقتباسه من بريطانيا على مبدأ تقديم الخدمة للجميع وبالتساوي، وفي حال ترك الأمر إلى شركات التأمين والمستشفيات الخاصة فهذا يعني ان المبدأ الذي تعمل به وزارة الصحة سوف يتم نسفه من الأساس، خاصة ان الحديث في هذا الشأن ليس بجديد إذ تمت مناقشته منذ عام 1997، بناء على دراسة قام بها البنك الدولي بتكليف من وزارة الصحة، إذ أفاد بأن تكلفة علاج الفرد البحريني المؤمن عليه في الطب الخاص سوف تصل إلى 175 دينارا، والأجنبي تتراوح تكلفة علاجه بين 50 و60 دينارا، نظرا لان العمالة الأجنبية غالبا تكون في سن الشباب ولا يعانون أمراضا إذ تحرص الشركات التي تتعاقد معهم على ان يكونوا أصحاء، أما البحرينيين فيمثلون كل الفئات العمرية، بدءا من الرضع الذين يحتاجون إلى حليب الأطفال إلى كبار السن ممن يعانون أمراض الشيخوخة، وهذه التكلفة منذ تسع سنوات، واليوم سوف تصل إلى 250 دينارا تقريبا بالنسبة الى البحريني، هذا بالإضافة إلى عدم وجود شركات تأمين في البحرين تستطيع ان تؤمن على الأعداد الكبيرة الموجودة، ولذلك سوف نحتاج إلى شركات تأمين أجنبية إضافية، مما يعني صعوبة وان لم تكن استحالة السيطرة عليهم، لأنهم سوف يحددون لأنفسهم هامش الربح وفي حال عدم تحقيقه سوف يرفعون الأسعار لان السوق حر والمسألة عرض وطلب، والمستفيد في النهاية هي شركات التأمين والمستشفيات الخاصة.
وهذا التوجه سوف يضعنا في نفس المشكلة التي تعاني منها أمريكا الآن، حيث أصبح ربع السكان لا يتمتعون بتغطية صحية، ولا يستطيعون الاشتراك في التأمين الصحي، فيذهبون إلى المستشفيات الخيرية، وحاليا يحاول الرئيس اوباما تغيير هذا النظام بعد ان اثبت فشله، ولكنه يجد مقاومة من المستشفيات الخاصة وشركات التأمين.
وينهي حديثه لافتا إلى ان الدستور ينص على إلزام الدولة بعلاج المواطنين، مطالبا بتطوير مستشفى السلمانية وتوسعتها، مشيرا إلى ان آخر توسعة خضعت لها كانت عام 1995 حيث كان عدد الأسرة لا يتعدى الـ 600 سرير، وتعداد السكان والمقيمين يصل الـ 600 ألف، وتمت إضافة 400 سرير ليصبح المجموع 1000، والآن أصبح عدد السكان أكثر من مليون نسمة، ومع ذلك مازالت تعمل بنفس الطاقة التي كانت تعمل بها عام .1995
تحقيق: زينب حافظ تكبير الخط
منذ سنوات طويلة امتدت إلى ما قبل استقلال مملكة البحرين والعلاج يقدم مجانا للجميع، إيمانا من وزارة الصحة بأن العلاج كالماء والهواء حق لكل إنسان، ولكن مع زيادة عدد السكان ومحدودية ميزانية الصحة، أصبح من الصعب الاستمرار في تقديم العلاج المجاني للجميع، وكان لابد من ان يتم تحصيل مبلغ رمزي من المقيمين كمساهمة منهم في تكلفة العلاج، وبالفعل أصبح المقيم يدفع مبلغ دينار نظير الكشف في المراكز الصحية أو مجمع السلمانية الطبي، ثم ارتفع المبلغ ليصبح ثلاثة دنانير.
ومؤخرا صرح وزير الصحة الدكتور فيصل الحمر بأن فاتورة الصحة في البحرين سوف ترتفع إلى أكثر 550 مليون دينار في السنة بحلول عام 2025، وان الحل يكمن في اللجوء إلى التأمين الصحي الإلزامي للأجانب ومن ثم للبحرينيين، وخاصة ان ميزانية الصحة الحالية لا تتعدى 170 مليون دينار في العام، وسوف ترتفع بنسبة 225% خلال الـ 16 عاما القادمة، مؤكدا ان تكلفة الخدمات الصحية ترتفع بصورة مهولة بحيث لن تستطيع أي حكومة مهما كان ثراؤها توفير خدمات صحية مجانية، ولذلك يصبح الخيار الوحيد هو فرض تأمين صحي إجباري للتعويض عن بعض التكاليف باهظة الثمن، حيث ينظر البرلمان حاليا مشروع بقانون لتطبيق التأمين الصحي الإلزامي على الأجانب ومن المتوقع ان تتم الموافقة عليه قريبا.
ولكن هل توجد في مملكة البحرين شركات تأمينية لديها إمكانيات مادية تستطيع بها تغطية نفقات علاج هذه الأعداد الكبيرة من المقيمين؟ وهل المستشفيات الخاصة لديها المساحة والاستعداد لاستقبال مختلف الحالات المرضية؟ ثم ما رأي أصحاب المشكلة أنفسهم سواء كانوا مقيمين أو بحرينيين، وما مدى استعدادهم لدفع نفقات علاجهم في حال موافقة مجلس النواب على تطبيق التأمين الصحي، أسئلة كثيرة طرحتها "أخبار الخليج" على كل الأطراف المعنية، ورصدت الإجابات خلال السطور التالية.
المواطنون
توجهنا بالسؤال إلى فئات متباينة من المواطنين، منهم من وصل إلى سن التقاعد ومع ذلك مازال يعمل نظرا لأنه لا يتقاضى راتبا تقاعديا، وآخرون في أواسط العمر، منهم الموظف وآخرون بالأعمال الحرة، وكانت البداية مع عبدالله إبراهيم ويعمل مدرب سياقه أي لا يوجد لديه تأمين يستحق عنه معاشا تقاعديا، وقد ابدى تعجبه من هذا الاقتراح مشيرا إلى ان كلة دول الخليج تقدم العلاج على أفضل مستوى، وتجري العمليات الجراحية مجانا، مؤكدا ان العلاج ليس رفاهية حتى ندخله ضمن قوائم محدودية الميزانية، وإذا كان هناك عجز فيتم توجيه المبالغ التي تخرج في صورة مساعدات للدول الأخرى لكفاية أبناء البلد أولا، وما يتبقى يتم التبرع به، ثم ان هناك فئة من الناس تقوم بصرف أدوية من المستشفيات وتقوم ببيعها مما يشكل عبئا إضافيا على الميزانية.
ويؤيده حمد الشيخ البالغ السبعين من عمره، فيقول: توجد فئات كثيرة لا تجد من يصرف عليها فهل من المعقول ان نحرمها من حق تخفيف آلامها بتلقي الاهتمام والعلاج الذي يستحقونه خاصة بعد ان افنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن، كما ان هناك رجالا وصلوا إلى سن التقاعد ولا توجد لهم تأمينات وبالتالي لا يستحقون معاشا تقاعديا، فمن أين يأتون بقيمة التأمين الصحي إلا إذا كانت الدولة سوف تدفع لهم قيمة التأمين لتخفيف العبء عن مستشفى السلمانية.
وبمنتهى الانفعال يقول هاشل المناعي: هذا قرار غير مدروس وسوف ينتج عنه الكثير من المشاكل، إذ كيف يعالج المواطن بفلوس، ألا يكفي اننا نقف في طوابير العلاج بمستشفى السلمانية، نحن نطالب بإنشاء مستشفى آخر كي نتلقى علاجا مرتفع المستوى لأننا نستحق ذلك، لا ان نحرم من حقنا على الوطن في تلقى العلاج.
وعلى النقيض يؤكد خالد علي بورشيد انه يرفض الذهاب إلى مستشفى السلمانية لتلقي العلاج مجانا لعدم ثقته في الخدمة المقدمة، بالإضافة إلى أنهم يعالجون كل الأمراض بالبنادول، ولذلك فهو يذهب إلى الطب الخاص لتلقي العلاج، وبالتالي لا يفرق معه كثيرا ان يطبق نظام التأمين الصحي أو لا يطبق لان الأمر لا يعنيه، ومع ذلك فهو يتمنى النهوض بمستشفى السلمانية حتى يستعيد ثقة المرضى.
أما الحاج احمد علي فهو في الثامنة والستين من عمره، ولا يحصل على معاش تقاعدي، ويقول انه يعاني الضغط وسيولة الدم ويصرف شهريا الأدوية الخاصة بهذه الأمراض، وزوجته مصابة بالقلب وبعدة أمراض أخرى وتتلقى العلاج في المستشفى العسكري، ولكنه يقوم بشراء العلاج الخاص بها على نفقته الخاصة، وهذا شيء مكلف جدا، ولا يعلم إذا تم تطبيق هذا النظام ماذا سيفعل وكيف يكمل باقي حياته بكرامة إذا كانت الدولة سوف تحرمهم من ابسط حقوقهم المتمثلة في العلاج.
المقيمون
فيما يؤكد الحاج سعيد عبدالقادر ويعمل في مملكة البحرين منذ ما يقارب الـ 30 عاما في احدى شركات القطاع الخاص انه أتى إلى مملكة البحرين عندما كان شابا في الرابعة والعشرين من عمره، وبعد كل هذه السنوات من الخدمة لم يتعد راتبه الـ 350 دينارا، وبعد ان يصل إلى التقاعد لن يستحق سوى مكافأة هزيلة نظرا لان راتبه صغير فكيف يدفع منه قيمة تأمين صحي له ولزوجته، مشيرا إلى ان صاحب أي عمل يجب ان يضمن علاج موظفيه، والتعامل مع امراضهم على أنها إصابة عمل، نظرا لأن أصحاب العمل قاموا بجلبهم من بلدانهم كي يساهموا في النمو الاقتصادي لمملكة البحرين واقل حقوقهم ان يتم تقديم العلاج المجاني لهم.
وتقول هدى احمد "تعمل بشركة قطاع خاص" ان اقل مستشفى خاص يحدد قيمة الكشف بما لا يقل عن 10 دنانير، هذا بخلاف قيمة الدواء التي قد لا تقل عن 30 دينارا، وفي حال لجوء المقيم إلى التأمين الصحي فسيجد نفسه يقوم بدفع مبلغ كبير سنويا لم يكن في حسبانه، مما يمثل عبئا جديدا يضاف الى مجموعة من الأعباء التي يعانيها بالفعل، ولا نعلم في حال الموافقة على هذا القانون، هل ستساهم الشركات التي نعمل بها في تطبيق نظام التأمين الصحي على موظفيها، أم سيتحمل الموظف هذا العبء الإضافي بمفرده، وإذا استطاع الموظف تحمل نفقات علاجه، هل العامل الآسيوي البسيط الذي لا يتعدى راتبه 70 أو 80 دينارا سوف يكون بمقدوره شراء مجرد قرص بنادول من راتبه الهزيل إذا أصيب بصداع فقط.
الطب الخاص
وعن قدرة المستشفيات الخاصة على استيعاب أعداد كبيرة من المرضى يقول مدير مستشفى الطب الدولية الدكتور اشرف المراغي، المشكلة ليست في قدرة المستشفيات الخاصة لأنها تستطيع التوسع لتقديم أفضل الخدمات الصحية، ويمكنها النمو بشكل أسرع من المستشفيات الحكومية إذا كان الاستثمار مشجع، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في قدرة شركات التأمين على توفير غطاء مادي يستوعب هذه الأعداد الكبيرة من المرضى، حتى لا تنتظر المستشفيات الخاصة شهورا طويلة كي تستطيع تحصيل مستحقاتها، إذ للأسف الثقة معدومة بين المستشفيات وشركات التأمين، وكل منهم يتصيد الأخطاء للآخر، نظرا لان الفواتير التي تذهب إلى شركات التأمين يقومون بخصم نصف قيمتها، معللين ذلك بارتفاع أسعار العلاج والعمليات الجراحية التي يتم إجراؤها، ويماطلون في الدفع، وهذا معناه الكف عن التعامل مع شركات التأمين، ولا نعلم هل هذه سياسة عامة، أم تأثر بالأزمة الاقتصادية، ولا يوجد من نتوجه إليه بشكوانا كي يتم رفع الظلم عنا، وحاليا طالبتنا وزارة الصحة بتقديم كشف بأسعار الخدمات الطبية ليتم اعتمادها، في محاولة لضبط أسعار المستشفيات الخاصة.
ويشير المراغي إلى انه في حال صدور قانون لتطبيق التأمين الصحي الإلزامي، لن تستطيع المستشفيات الخاصة علاج المرضى إذا كان التعامل مع شركات التأمين سوف يستمر بنفس الوضع، لان التأخير في دفع مستحقات المستشفيات سوف يؤدي إلى إغلاقها وهروب المستثمرين ولذلك يجب ان تكون هناك رقابة على شركات التأمين.
وتؤكد الرئيس التنفيذي لمستشفى الكندي التخصصي الدكتورة ابتسام الدلال أنهم بدأوا التوسع بالفعل لمضاعفة قدرة المستشفى الاستيعابية قبل حديث وزير الصحة، مشيرة إلى ان كل المستشفيات الخاصة تسعى حثيثا للتوسع لاستيعاب أعداد كبيرة من المرضى في حال تطبيق قرار التأمين الصحي الإلزامي على الأجانب، موضحة ان علاقتهم بالتأمين الصحي لا تشوبها شائبة وتسير على أفضل حال ولا يوجد مشاكل في زيادة التعاون بينهم.
التأمين
ويؤكد مدير الشبكة الطبية "ب مد نت" البحرين الدكتور أسامة طرباي ان أي شركة تأمين لا توجد لديها مشكلة في الأمور المادية وتستطيع تغطية تكلفة علاج أعداد كبيرة من المؤمن عليهم صحيا، لان كل شركات التأمين مدعومة بشركات إعادة تأمين عالمية، ولكن المشكلة الحقيقية هي نقص العمالة المدربة في صناعة التأمين، والتي تبدأ من بيع الخدمة وتحديد قيمة القسط التأميني، وتسجيل بيانات المؤمن عليه، ومراجعة الموافقات الطبية، والتعامل مع مقدمي الخدمة، وإحداث النظم الالكترونية للفواتير، وهذه المشكلة يمكن حلها بإيجاد نظام تدريب في شركات التأمين نفسها، بالإضافة إلى ان هناك معاهد تقدم دراسة متخصصة وتقوم بتخريج كوادر مؤهلة في هذه التخصصات، والمشكلة الأخرى تتعلق بعدم وجود ترميز "كود" للخدمات الطبية متفق عليه بين شركات التأمين والمستشفيات الخاصة.
{ تشكو المستشفيات من ان بعض شركات التأمين تماطل في دفع قيمة الفواتير، وتقوم بخصم نصف قيمتها؟
ــ من المفترض وجود كشف أسعار يناسب مستوى الخدمة المقدمة في كل مستشفى معتمد من وزارة الصحة، وتتم الموافقة عليه من قبل شركة التأمين قبل التعاقد مع المستشفى، مع إيضاح نوعية الخدمات الصحية المغطاة تأمينيا، والمشكلة ان هناك بعض المستشفيات لا تلتزم بذلك مما يولّد مشاكل بين الطرفين، وحاليا توجد تسع شركات تأمين في مملكة البحرين، تغطي التأمين الصحي لـ 85 ألف مستفيد، كما ان دخول وزارة الصحة بكل كوادرها كمقدم خدمة للمؤمنين سوف يساعد على وجود مناخ تنافسي جيد، وتحديد مستوى طبي عال ينعكس ايجابيا على الخدمة الطبية المؤمنة.
تكلفة مرتفعة
وقد ابدى مدير الصحة العامة سابقا الدكتور سمير خلفان عدم موافقته على تطبيق نظام التأمين الصحي وأوضح أسباب رفضه قائلا: الخدمات الصحية في البحرين كانت موجودة منذ العشرينيات، وبعد الاستقلال وضع الدكتور علي فخرو فلسفة الخدمات الصحية البحرينية الحديثة، وقد سارت على نهجنا في ذلك دول الخليج، إذ اعتمد هذا النظام الذي قمنا باقتباسه من بريطانيا على مبدأ تقديم الخدمة للجميع وبالتساوي، وفي حال ترك الأمر إلى شركات التأمين والمستشفيات الخاصة فهذا يعني ان المبدأ الذي تعمل به وزارة الصحة سوف يتم نسفه من الأساس، خاصة ان الحديث في هذا الشأن ليس بجديد إذ تمت مناقشته منذ عام 1997، بناء على دراسة قام بها البنك الدولي بتكليف من وزارة الصحة، إذ أفاد بأن تكلفة علاج الفرد البحريني المؤمن عليه في الطب الخاص سوف تصل إلى 175 دينارا، والأجنبي تتراوح تكلفة علاجه بين 50 و60 دينارا، نظرا لان العمالة الأجنبية غالبا تكون في سن الشباب ولا يعانون أمراضا إذ تحرص الشركات التي تتعاقد معهم على ان يكونوا أصحاء، أما البحرينيين فيمثلون كل الفئات العمرية، بدءا من الرضع الذين يحتاجون إلى حليب الأطفال إلى كبار السن ممن يعانون أمراض الشيخوخة، وهذه التكلفة منذ تسع سنوات، واليوم سوف تصل إلى 250 دينارا تقريبا بالنسبة الى البحريني، هذا بالإضافة إلى عدم وجود شركات تأمين في البحرين تستطيع ان تؤمن على الأعداد الكبيرة الموجودة، ولذلك سوف نحتاج إلى شركات تأمين أجنبية إضافية، مما يعني صعوبة وان لم تكن استحالة السيطرة عليهم، لأنهم سوف يحددون لأنفسهم هامش الربح وفي حال عدم تحقيقه سوف يرفعون الأسعار لان السوق حر والمسألة عرض وطلب، والمستفيد في النهاية هي شركات التأمين والمستشفيات الخاصة.
وهذا التوجه سوف يضعنا في نفس المشكلة التي تعاني منها أمريكا الآن، حيث أصبح ربع السكان لا يتمتعون بتغطية صحية، ولا يستطيعون الاشتراك في التأمين الصحي، فيذهبون إلى المستشفيات الخيرية، وحاليا يحاول الرئيس اوباما تغيير هذا النظام بعد ان اثبت فشله، ولكنه يجد مقاومة من المستشفيات الخاصة وشركات التأمين.
وينهي حديثه لافتا إلى ان الدستور ينص على إلزام الدولة بعلاج المواطنين، مطالبا بتطوير مستشفى السلمانية وتوسعتها، مشيرا إلى ان آخر توسعة خضعت لها كانت عام 1995 حيث كان عدد الأسرة لا يتعدى الـ 600 سرير، وتعداد السكان والمقيمين يصل الـ 600 ألف، وتمت إضافة 400 سرير ليصبح المجموع 1000، والآن أصبح عدد السكان أكثر من مليون نسمة، ومع ذلك مازالت تعمل بنفس الطاقة التي كانت تعمل بها عام .1995