على الوتر
«الصحافة».. مهنة الأشرار
لميس ضيف
استوقفني هذا العنوان الذي ورد في كتاب الكاتب الكويتي ماضي خميس وتأملته طويلاً.. فرغم أن المقال يتحدث عن أهمية الصحافة وتحولاتها إبان الثورة الفرنسية؛ لا عن دواخل الوسط الصحافي كما يوحي عنوانه، إلا أن له (العنوان) وقعاً مدوياً في النفس.. على الأرجح لأنه يختصر في كلمات ثلاث شتات أفكار عدة..
كثيراً ما نسأل نحن الصحافيين عن سر تبدل الوجوه السريع نسبياً في الصحافة؛ وخصوصاً الوجوه النسائية.. فنسبة التسرّب من الصحافة جدُّ عالية بين النساء..
في السنوات الـ 5 الماضية رصدت خروج عشرات الزميلات من المهنة، بعضهن أحسن بذلك لأن الصحافة لم تكن ميدانهن أساساً؛ أما بعضهن الآخر فكنّ ذوات موهبة حقيقية ومستقبل واعد، لكنهن هربن مع أول فرصة..
هو ليس ضغط العمل حتماً، فضغط العمل متشابه في المواقع التي تنقّلن لها، ولكنها مع ما يأتي مع العمل من مؤامرات وضغوط وطعون في الظهر - بالكاد يتماوج معها الرجال - فما بالكم بالنساء! حديثاً فقط تعرضت إحدى زميلاتي في صحيفة منافسة إلى ضربة قوية من زملاء موتورين بلا أخلاق دفعتها للاستقالة، ورغم سطحية علاقتي بالزميلة، إلا أني نزفت عندما سمعت بأمرها.. ربما لأني أعرف عنها الطهر والأدب والذكاء والموهبة وأتوسم في مستقبلها خيراً كثيراً، ولم أشأ أن تجرفها إشاعة مريضة من شخص مريض بعيداً عن حياض صاحبة الجلالة.
كثيرون قد لا يصدقون أن الصحف، التي يفترض بها أن تكون بيوتات للأفكار ومجمعاً لذوي المبادئ والمثل، قد انحدرت لهذا المستوى.. وحدهم الإعلاميون من يعون ما بكواليس هذا العالم من خبايا، أذكر أن أحد الأساتذة المخضرمين من العرب قال يوماً: من المعروف أن أكثر الأوساط شراسة ولؤماً هو الوسط الفني ويليه - في المرتبة الثانية - الوسط الصحافي، إلا في مصر. وقد اكتشفت لمّا جئت للبحرين أن البحرين استثناء إضافي من القاعدة.. فالتنافس في الوسط الصحافي في البحرين أشد خبثاً وتجرداً من الأخلاقيات منه في الوسط الفني - الهادئ نسبياً - في البحرين.
بمناسبة الحديث عن الوسط الصحافي في مصر ربما تابعتم بعضاً من حلقات مسلسل «الأشرار» الذي عرض في شهر رمضان الماضي لكاتبه د.عمرو عبدالسميع، والذي تحدث فيه عن خبايا الوسط الصحافي في الستينات والسبعينات من خلال قصة الصحافي الفاسد صبري عكاشة الذي تم تكليفه وزرعه في صحيفة بهدف تغيير أسلوبها، كما تعرض المسلسل إلى العلاقة المشبوهة بين الصحافيين وقوى المال والسلطة.. بالطبع لم يخلُ المسلسل من النماذج الإيجابية التي قاومت المدَ والضغوط ومنها حسن حسني رئيس التحرير المتنور وأميرة العايدي الجامعية «الثورجية» التي دفعها حسها الوطني العالي للتماس مع أسوأ النماذج من الزملاء والساسة؛ ونماذج أخرى إيجابية قاومت الذوبان في بحر الفساد.
هل الصحافة، فعلاً، مهنة الأشرار؟
هناك ثابت وحيد.. أن من يختار أن يكون صحافياً أو إعلامياً لا يمكن أن يكون شخصاً عادياً.. كثير من المرضى والمحتقنين نفسياً يجدون في الصحافة متنفساً معتبراً لهم.. وكثير من الصالحين والمثاليين الذين يعتقدون أن تغيير العالم ممكن يجدون في الصحافة منبراً، وهناك بالطبع من هم عوانٌ بين هذا وذاك.. ربما تكون الفئة الأولى قد طغت في كثير من الدول العربية لأن أيدي السلطة تحرص على أن يتمدد هؤلاء مقابل انكماش الفئة الثانية.. وعلى كل حالٍ يجب ألا تترك الصحافة - التي أسماها غاندي أداة تكوين الشعب - مطيةً للأشرار.. ويجب أن يدافع الصحافيون الحقيقيون عن مكانهم فيها مهما علا المدّ وضاق الخناق.
ربما تكون الصحافة مهنةً للأشرار فعلا، ولكنها أيضاً.. معقلٌ الشرفاء.
«الصحافة».. مهنة الأشرار
لميس ضيف
استوقفني هذا العنوان الذي ورد في كتاب الكاتب الكويتي ماضي خميس وتأملته طويلاً.. فرغم أن المقال يتحدث عن أهمية الصحافة وتحولاتها إبان الثورة الفرنسية؛ لا عن دواخل الوسط الصحافي كما يوحي عنوانه، إلا أن له (العنوان) وقعاً مدوياً في النفس.. على الأرجح لأنه يختصر في كلمات ثلاث شتات أفكار عدة..
كثيراً ما نسأل نحن الصحافيين عن سر تبدل الوجوه السريع نسبياً في الصحافة؛ وخصوصاً الوجوه النسائية.. فنسبة التسرّب من الصحافة جدُّ عالية بين النساء..
في السنوات الـ 5 الماضية رصدت خروج عشرات الزميلات من المهنة، بعضهن أحسن بذلك لأن الصحافة لم تكن ميدانهن أساساً؛ أما بعضهن الآخر فكنّ ذوات موهبة حقيقية ومستقبل واعد، لكنهن هربن مع أول فرصة..
هو ليس ضغط العمل حتماً، فضغط العمل متشابه في المواقع التي تنقّلن لها، ولكنها مع ما يأتي مع العمل من مؤامرات وضغوط وطعون في الظهر - بالكاد يتماوج معها الرجال - فما بالكم بالنساء! حديثاً فقط تعرضت إحدى زميلاتي في صحيفة منافسة إلى ضربة قوية من زملاء موتورين بلا أخلاق دفعتها للاستقالة، ورغم سطحية علاقتي بالزميلة، إلا أني نزفت عندما سمعت بأمرها.. ربما لأني أعرف عنها الطهر والأدب والذكاء والموهبة وأتوسم في مستقبلها خيراً كثيراً، ولم أشأ أن تجرفها إشاعة مريضة من شخص مريض بعيداً عن حياض صاحبة الجلالة.
كثيرون قد لا يصدقون أن الصحف، التي يفترض بها أن تكون بيوتات للأفكار ومجمعاً لذوي المبادئ والمثل، قد انحدرت لهذا المستوى.. وحدهم الإعلاميون من يعون ما بكواليس هذا العالم من خبايا، أذكر أن أحد الأساتذة المخضرمين من العرب قال يوماً: من المعروف أن أكثر الأوساط شراسة ولؤماً هو الوسط الفني ويليه - في المرتبة الثانية - الوسط الصحافي، إلا في مصر. وقد اكتشفت لمّا جئت للبحرين أن البحرين استثناء إضافي من القاعدة.. فالتنافس في الوسط الصحافي في البحرين أشد خبثاً وتجرداً من الأخلاقيات منه في الوسط الفني - الهادئ نسبياً - في البحرين.
بمناسبة الحديث عن الوسط الصحافي في مصر ربما تابعتم بعضاً من حلقات مسلسل «الأشرار» الذي عرض في شهر رمضان الماضي لكاتبه د.عمرو عبدالسميع، والذي تحدث فيه عن خبايا الوسط الصحافي في الستينات والسبعينات من خلال قصة الصحافي الفاسد صبري عكاشة الذي تم تكليفه وزرعه في صحيفة بهدف تغيير أسلوبها، كما تعرض المسلسل إلى العلاقة المشبوهة بين الصحافيين وقوى المال والسلطة.. بالطبع لم يخلُ المسلسل من النماذج الإيجابية التي قاومت المدَ والضغوط ومنها حسن حسني رئيس التحرير المتنور وأميرة العايدي الجامعية «الثورجية» التي دفعها حسها الوطني العالي للتماس مع أسوأ النماذج من الزملاء والساسة؛ ونماذج أخرى إيجابية قاومت الذوبان في بحر الفساد.
هل الصحافة، فعلاً، مهنة الأشرار؟
هناك ثابت وحيد.. أن من يختار أن يكون صحافياً أو إعلامياً لا يمكن أن يكون شخصاً عادياً.. كثير من المرضى والمحتقنين نفسياً يجدون في الصحافة متنفساً معتبراً لهم.. وكثير من الصالحين والمثاليين الذين يعتقدون أن تغيير العالم ممكن يجدون في الصحافة منبراً، وهناك بالطبع من هم عوانٌ بين هذا وذاك.. ربما تكون الفئة الأولى قد طغت في كثير من الدول العربية لأن أيدي السلطة تحرص على أن يتمدد هؤلاء مقابل انكماش الفئة الثانية.. وعلى كل حالٍ يجب ألا تترك الصحافة - التي أسماها غاندي أداة تكوين الشعب - مطيةً للأشرار.. ويجب أن يدافع الصحافيون الحقيقيون عن مكانهم فيها مهما علا المدّ وضاق الخناق.
ربما تكون الصحافة مهنةً للأشرار فعلا، ولكنها أيضاً.. معقلٌ الشرفاء.