هكذا نكون عندما يجور الزمان
قيل في الأمثال: إذا علا واستعلى صوت السفيه، أو إذا استمرأ الفاسد في قوم قالوا جار الزمان.
وقيل في الأمثال أيضاً: إذا تولى الجاهل شئون العاملين، أو إذا ما مُكِّن لجاهلٍ أحمق قيادة مُعلِّميه كان ذلك من عجائب جور الزمان.
ونقول أيضاً: إذا رأيتم ألاّ حُرْمَة لشريفٍ ذي نسبٍ، ولا وقار لعالم ذي فضيلة، ولا رحمة للمرء الضعيف، ولا تقدير للعامل الكادح، ولا كرامة لمُعلم أو طبيب أخلص، ولا شكر لمن أعطى، ولا إحسان لمن أحسن، فاعلموا أنكم في زمن الجور والهوان.
وعلامات الجور وأنواع الهوان لا تُحصيها الأقلام إنما ذلك إلاّ ضرب من الأمثال.
ولكن أيما تعددت الأمثال واختلفت العلامات فجور الزمان له مفهوم واحد هو «الظلم». فكلما وُجِدَ الظلمُ تجِد الجورَ، وكلما وُجِد الجورُ تجد الظلمَ وكأنهما توأمان. ولهذا قيل «ظُلمُ المرءُ جَوْرُه وجوره ظلم».
وفي سياق بعض ما تقدم نعود لنكمل قضيةً سبق لنا التطرق إليها في مقال سابق نشرته صحيفة «الوسط» في 11 أبريل/ نيسان بعنوان «لا تعجب إن رأيت منكراً من أمة غير توّاقة للفضائل» قد وعدنا القارئ حينذاك بالوقوف على بعض شجونها.
وهذه القضية لا نضعها في هذا المقام كواقعة من الوقائع التي تحملها صفحة المحليات في هذه الصحيفة أو غيرها، ولا نحملها كقضية إنسانية لها شجون تخفق لها القلوب، إنما نضعها كأنموذج من النماذج التي تحكي الواقع الاجتماعي والسياسي الذي بات فيه القانون أشبه ما يكون بالغريب المحكوم عليه بالإبعاد.
أصحاب هذه القضية هم عددٌ كبير من العمال البحرينيين تعاقدوا العام 2004 مع مؤسسة رسمية (تعليمية/ مهنية) كانت معروفة بمكانتها التعليمية العالية، وذلك للعمل لديها بمهنة حراس «رجال أمن» وفقاً لأحكام قانون العمل في القطاع الأهلي، وكانت هذه المؤسسة تخضع آنذاك تحت إدارةِ وزارةٍ حكومية، بيد أنه إبان الأحداث السياسية الأخيرة انتقلت هذه المؤسسة تحت إدارة وزارة حكومية أخرى. فما أن انتقلت هذه المؤسسة تحت إدارة الوزارة الأخيرة استيقظ الحراس المذكورون على عهد جديد انقلبت فيه أحوالهم رأساً على عقب فباتوا وكأنهم أسرى حرب يُستقَص منهم ثأراً. وقد قلنا في المقال المشار إليه أعلاه بشأنهم تحديداً إن ما وقع عليهم من قسوة وغلظة كان شذوذَ عقابٍ يتنافى مع القيم الإنسانية ولا يقوم على أساس قانوني، ونأسف أن يكون هذا القاسي الغليظ منبراً من منابر التربية والتعليم.
ولكي لا يطول بنا اليراع نذكر بعضاً مما وقع عليهم فيما يلي:
(1) فور انتقال تلك المؤسسة المهنية تحت إدارة الوزارة المعنية صدر قرار إداري بنقل الحراس إلى مدارس حكومية، ولم يُنظر لهذا القرار حينذاك بسوء نية أو شبهة تعسف، بيد أنه تبين هذا التعسف وسوء النية عندما تقرر نقلهم إلى مواقع عمل بعيدة عن مكان سكناهم، إذ نُقل من هو في الشمال إلى الجنوب، ومن هو في الجنوب إلى الشمال، وكأن ذلك بمثابة عقاب تأديبي يُعرف بـ «عقوبة نفي العامل» دونما ذنب جناه هؤلاء الكادحون سوى أنهم (كما يقولون) جماعة تنتمي إلى طائفة معينة.
فلا ندري هل أن هذا العقاب الجماعي الطارئ الجديد ضد عمال طائفة معينة بالذات دونما ذنب جنوه هل هو لباس لثقافة جديدة أم هو علامة من علامات جور الزمان ؟
(2) لم يكتفِ المسئولون الجدد بتعاملهم مع أولئك الكادحين على نحو ما تقدم وحسب، إنما أخذوا يتعاملون معهم تارة على أنهم من العمال الخاضعين لأحكام قانون الخدمة المدنية عندما يكون المطلوب استحقاق حق وفق أحكام قانون العمل كي يفوتوا عليهم هذا الاستحقاق. وعندما يكون المطلوب استحقاق حق وفق قانون الخدمة يعتبرونهم خاضعين لأحكام قانون العمل. وما ذلك كله إلاّ ليفوتوا أي حق من حقوقهم المستحقة.
فإذا كنا في الحالة الأولى قد اعتبرنا أن ذلك لباساً لثقافة جديدة وعلامة من علامات جور الزمان، فهل بلغ الجور هنا إلى حد النخاسة؟
لقد تصفحنا قوانين العمل منذ العام 1957 ولغاية قوانيننا المعاصرة لم نجد فيها عقوبة كهذه العقوبة، حتى بدأنا نظن أننا عدنا إلى عصر الامبراطوريات الأولى التي لا يحكمها قانون موحد، أو إلى عصر الامبراطوريات الثانية التي جعلت لكل فئة (النبلاء، والفرسان، والعمال) قانوناً خاصاً يختص بها؟
فهل هذا نمط جديد؟ إذاً يفوق أنماط آثار جور الزمان.
وسنعود في حلقة أخرى قريباً للوقوف على ما هو أشد من الشجون لما وقع فيه هؤلاء الحراس، ولنسأل الجميع ولم يمضِ على الاحتفال بعيد العمال إلا أيام ، «هل هكذا يكون حال إخواننا العمال عندما يجور الزمان؟».
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3529 - الأحد 06 مايو 2012م الموافق 15 جمادى الآخرة 1433هـ
قيل في الأمثال: إذا علا واستعلى صوت السفيه، أو إذا استمرأ الفاسد في قوم قالوا جار الزمان.
وقيل في الأمثال أيضاً: إذا تولى الجاهل شئون العاملين، أو إذا ما مُكِّن لجاهلٍ أحمق قيادة مُعلِّميه كان ذلك من عجائب جور الزمان.
ونقول أيضاً: إذا رأيتم ألاّ حُرْمَة لشريفٍ ذي نسبٍ، ولا وقار لعالم ذي فضيلة، ولا رحمة للمرء الضعيف، ولا تقدير للعامل الكادح، ولا كرامة لمُعلم أو طبيب أخلص، ولا شكر لمن أعطى، ولا إحسان لمن أحسن، فاعلموا أنكم في زمن الجور والهوان.
وعلامات الجور وأنواع الهوان لا تُحصيها الأقلام إنما ذلك إلاّ ضرب من الأمثال.
ولكن أيما تعددت الأمثال واختلفت العلامات فجور الزمان له مفهوم واحد هو «الظلم». فكلما وُجِدَ الظلمُ تجِد الجورَ، وكلما وُجِد الجورُ تجد الظلمَ وكأنهما توأمان. ولهذا قيل «ظُلمُ المرءُ جَوْرُه وجوره ظلم».
وفي سياق بعض ما تقدم نعود لنكمل قضيةً سبق لنا التطرق إليها في مقال سابق نشرته صحيفة «الوسط» في 11 أبريل/ نيسان بعنوان «لا تعجب إن رأيت منكراً من أمة غير توّاقة للفضائل» قد وعدنا القارئ حينذاك بالوقوف على بعض شجونها.
وهذه القضية لا نضعها في هذا المقام كواقعة من الوقائع التي تحملها صفحة المحليات في هذه الصحيفة أو غيرها، ولا نحملها كقضية إنسانية لها شجون تخفق لها القلوب، إنما نضعها كأنموذج من النماذج التي تحكي الواقع الاجتماعي والسياسي الذي بات فيه القانون أشبه ما يكون بالغريب المحكوم عليه بالإبعاد.
أصحاب هذه القضية هم عددٌ كبير من العمال البحرينيين تعاقدوا العام 2004 مع مؤسسة رسمية (تعليمية/ مهنية) كانت معروفة بمكانتها التعليمية العالية، وذلك للعمل لديها بمهنة حراس «رجال أمن» وفقاً لأحكام قانون العمل في القطاع الأهلي، وكانت هذه المؤسسة تخضع آنذاك تحت إدارةِ وزارةٍ حكومية، بيد أنه إبان الأحداث السياسية الأخيرة انتقلت هذه المؤسسة تحت إدارة وزارة حكومية أخرى. فما أن انتقلت هذه المؤسسة تحت إدارة الوزارة الأخيرة استيقظ الحراس المذكورون على عهد جديد انقلبت فيه أحوالهم رأساً على عقب فباتوا وكأنهم أسرى حرب يُستقَص منهم ثأراً. وقد قلنا في المقال المشار إليه أعلاه بشأنهم تحديداً إن ما وقع عليهم من قسوة وغلظة كان شذوذَ عقابٍ يتنافى مع القيم الإنسانية ولا يقوم على أساس قانوني، ونأسف أن يكون هذا القاسي الغليظ منبراً من منابر التربية والتعليم.
ولكي لا يطول بنا اليراع نذكر بعضاً مما وقع عليهم فيما يلي:
(1) فور انتقال تلك المؤسسة المهنية تحت إدارة الوزارة المعنية صدر قرار إداري بنقل الحراس إلى مدارس حكومية، ولم يُنظر لهذا القرار حينذاك بسوء نية أو شبهة تعسف، بيد أنه تبين هذا التعسف وسوء النية عندما تقرر نقلهم إلى مواقع عمل بعيدة عن مكان سكناهم، إذ نُقل من هو في الشمال إلى الجنوب، ومن هو في الجنوب إلى الشمال، وكأن ذلك بمثابة عقاب تأديبي يُعرف بـ «عقوبة نفي العامل» دونما ذنب جناه هؤلاء الكادحون سوى أنهم (كما يقولون) جماعة تنتمي إلى طائفة معينة.
فلا ندري هل أن هذا العقاب الجماعي الطارئ الجديد ضد عمال طائفة معينة بالذات دونما ذنب جنوه هل هو لباس لثقافة جديدة أم هو علامة من علامات جور الزمان ؟
(2) لم يكتفِ المسئولون الجدد بتعاملهم مع أولئك الكادحين على نحو ما تقدم وحسب، إنما أخذوا يتعاملون معهم تارة على أنهم من العمال الخاضعين لأحكام قانون الخدمة المدنية عندما يكون المطلوب استحقاق حق وفق أحكام قانون العمل كي يفوتوا عليهم هذا الاستحقاق. وعندما يكون المطلوب استحقاق حق وفق قانون الخدمة يعتبرونهم خاضعين لأحكام قانون العمل. وما ذلك كله إلاّ ليفوتوا أي حق من حقوقهم المستحقة.
فإذا كنا في الحالة الأولى قد اعتبرنا أن ذلك لباساً لثقافة جديدة وعلامة من علامات جور الزمان، فهل بلغ الجور هنا إلى حد النخاسة؟
لقد تصفحنا قوانين العمل منذ العام 1957 ولغاية قوانيننا المعاصرة لم نجد فيها عقوبة كهذه العقوبة، حتى بدأنا نظن أننا عدنا إلى عصر الامبراطوريات الأولى التي لا يحكمها قانون موحد، أو إلى عصر الامبراطوريات الثانية التي جعلت لكل فئة (النبلاء، والفرسان، والعمال) قانوناً خاصاً يختص بها؟
فهل هذا نمط جديد؟ إذاً يفوق أنماط آثار جور الزمان.
وسنعود في حلقة أخرى قريباً للوقوف على ما هو أشد من الشجون لما وقع فيه هؤلاء الحراس، ولنسأل الجميع ولم يمضِ على الاحتفال بعيد العمال إلا أيام ، «هل هكذا يكون حال إخواننا العمال عندما يجور الزمان؟».
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3529 - الأحد 06 مايو 2012م الموافق 15 جمادى الآخرة 1433هـ