من السجن إلى اللؤلؤة
إنك لا تعمل 15 ساعة متواصلة إلا في الكوارث أو في أيام المواسم الدينية أو الثقافية الكبرى، أو في الحروب والانتفاضات!
عند العودة من العمل الساعة الثانية فجراً، كنت تمنّي نفسك لو تُطوى لك الأرض فتجد نفسك ممدّداً في السرير! ومع توقّف محرك السيارة، وقبل النزول، اقتربت امرأةٌ من الجيران لأقلها إلى سجن العدلية حيث كان سيطلق ابنها ضمن مجموعة المعتقلين في رمضان الماضي، ولم يكن ممكناً أن أرد طلبها رغم انطباق الجفون على العيون... وما أحلى أن تواصل التعب بالتعب، وهكذا توجهنا إلى السجن، لتجد نفسك أمام قصةٍ أخباريةٍ جديدةٍ جاءتك على غير ميعاد!
عند بوابة السجن كان هناك زحامٌ مروري، فيما اجتمع أكثر من ثمانين شخصاً، لاستقبال أحبابهم المعتقلين من شهر رمضان المبارك. رجال ونساء وشباب يتجمعون في ساحةٍ خارجيةٍ مظلمةٍ، على طرفها مصباحٌ وحيدٌ يبصق ضوءه الأصفر الهزيل فلا تكاد تتعرف على الوجوه إلا عندما تقترب منها. لا أدري لماذا لم تتحسّن طرق معاملة المعتقلين وعوائلهم عمّا كانت عليه قبل ثلاثين عاماً؟ وإذا كان قرار الإفراج قد صدر في النهار، فلماذا لا تتم الترتيبات في وقت مبكر، بدل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
كان هناك اثنان من مصوّري الصحيفة، وثلاثةٌ من نواب الوفاق، سألت أحدهم فقال حتى الآن أطلق حوالي 40 معتقلاً وننتظر الباقي. كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف. خرج أحد المعتقلين يحمل أغراضه، ويتلقى الأرض ساجداً، وتبدأ القبلات والأحضان. بقيت ساعةً استطلع هذا العالم الحزين حيث تترسّب في الأعماق ذكريات الظلم والقهر وسلب الحرية. هل يأتي يومٌ على بلادنا دون سجنٍ للمعارضين وأصحاب الرأي الآخر؟
في الصباح، كانت القنوات تتكلّم عن المجازر التي ينفّذها «الأخ القذافي» ضد الشعب الليبي ليبقى ملتصقاً بالكرسي إلى آخر حياته، حتى إذا مضى إلى سبيله ورّث الجماهيرية كلها لابنه سيف الاسلام.
في مستشفى السلمانية أجريت الساعة التاسعة صباحاً عملية تقويم للطبيب الاستشاري الذي أصيب بكسرٍ في عظمة الأنف في هجوم الخميس الدامي، مع فحصٍ للعين تحت التخدير التام. وفي الساعة العاشرة والنصف زار المستشفى مستشار المجلس الأعلى للقضاء الشيخ أحمد بن خلف العصفور عدداً من مصابي اللؤلؤة، وأعرب عن شجبه استخدام العنف. وسبق أن أصدر ثمانية من القضاة الشرعيين بياناً قبل يومين اعترضوا فيه على ما جرى يوم الخميس الدامي. أما «بيان مع الحرية»، الذي أطلق في أعقاب المجزرة لتأكيد حق الشعب في التعبير السلمي عن مطالبه وإدانة إزهاق الأرواح البريئة، فقد بلغ عدد الموقّعين عليه أمس 125 شخصاً من الكتاب والأدباء والفنانين البحرينيين.
في العاشرة، استقبل ميدان اللؤلؤة مسيرة نظمها طلبة كلية العلوم الصحية، واستقبل عصراً مسيرة لجمعية المصرفيين، وفي المساء استقبل مسيرة الاتحاد العام للعمال، ضمن فعاليات التضامن مع شباب اللؤلؤة.
خارجياً، أيّدت وزيرة الخارجية الأميركية الحكومة «البدء في طريق فتح حوار سياسي بعد الاحتجاجات، وإن كان على الحكومة البحرينية أن تحرص على دعم أقوالها بأفعال». وحذّرت فرنسا رعاياها من السفر للبحرين إلا في حال الضرورة، وتم إغلاق المدرسة الفرنسية حتى الثالث من مارس، وأعلن عن تأجيل فعاليات الأسبوع الفرنسي المزمع عقده بالمنامة في الفترة بين 23 فبرايرحتى 1 مارس 2011، إلى أجل غير مسمى.
صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت أمس صفحة كاملة تضمّنت تقارير مكتوبة عن البحرين، وأخرى مرئية عن مسيرة «الوفاء للشهداء» تضمنت لقاءات قصيرة مع بعض المتظاهرين. ونشرت صوراً جوية لميدان اللؤلؤة لمقارنته مع ميدان التحرير بالقاهرة، مع مقالٍ متعلقٍ بالبحرين. كما نشرت قناة «يورونيوز» تقريراً عن المسيرة وبعض المقابلات.
الساعة الواحدة والنصف نشرت الجمعيات السياسية السبع بياناً، حيّت فيه «الجماهير الغفيرة التي خرجت الثلثاء، وشاركت فيها قطاعات واسعة من مؤسسات المجتمع وقواه الحية، اعتزازاً بكوكبة الشهداء الذين مهّدوا بدمائهم الزكية الطريق للحرية والكرامة». وأعربت عن استعدادها اللقاء مع القوى السياسية الشعبية التي دعت لإصلاحات جوهرية في النظام السياسي، كتلك التي جاءت في خطبة الشيخ عبداللطيف المحمود في مسجد الفاتح، بما يعزّز الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب، وهو ما قام به تجمع شباب اللؤلؤة. وذكّرت الجمعيات بأنها دعت منذ سنوات طويلة للحوار مع السلطة حول الإصلاحات الجذرية دون أن تلقى أية استجابة.
في الثانية والنصف زرت جارنا الشيخ محمد حبيب المقداد الذي أطلق سراحه فجر أمس، وقال إنهم كانوا في عزلةٍ بسجن الحوض الجاف، ولم تصلهم الأخبار إلا بعد أسبوعٍ من وقوعها، وصدمتهم أخبار مقتل عددٍ من الشهداء بالرصاص. وبعد ساعةٍ انطلقت مسيرةٌ من منزله بالبلاد القديم باتجاه ميدان اللؤلؤة، وكان يستقل سيارةً مكشوفةً وقد حمل العلم الوطني.
آخر الأخبار وافانا به الزميل هاني الفردان، وهو خبرٌ رياضيٌ موجّهٌ لمن يريد أن يفصل السياسة عن الاقتصاد والدين والفكر والأخلاق وحتى حقوق الإنسان. فالألماني مايكل شوماخر صاحب الرقم القياسي في الفوز باللقب في سباقات الفورمولا 1، رحّب بقرار إلغاء سباق جائزة البحرين الكبرى في ضوء الاحتجاجات الجارية في دوّار اللؤلؤة، حيث قال في موقعه على الإنترنت: «مثل العديد من زملائي في سباقات الفورمولا، أعتبر إلغاء سباق البحرين قراراً جيداً، فالناس هناك لديها مشاغل أكثر خطورةً من فورمولا 1 وهذه المشاغل تحظى بالأولوية القصوى».
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3093 - الخميس 24 فبراير 2011م الموافق 21 ربيع الاول 1432هـ
إنك لا تعمل 15 ساعة متواصلة إلا في الكوارث أو في أيام المواسم الدينية أو الثقافية الكبرى، أو في الحروب والانتفاضات!
عند العودة من العمل الساعة الثانية فجراً، كنت تمنّي نفسك لو تُطوى لك الأرض فتجد نفسك ممدّداً في السرير! ومع توقّف محرك السيارة، وقبل النزول، اقتربت امرأةٌ من الجيران لأقلها إلى سجن العدلية حيث كان سيطلق ابنها ضمن مجموعة المعتقلين في رمضان الماضي، ولم يكن ممكناً أن أرد طلبها رغم انطباق الجفون على العيون... وما أحلى أن تواصل التعب بالتعب، وهكذا توجهنا إلى السجن، لتجد نفسك أمام قصةٍ أخباريةٍ جديدةٍ جاءتك على غير ميعاد!
عند بوابة السجن كان هناك زحامٌ مروري، فيما اجتمع أكثر من ثمانين شخصاً، لاستقبال أحبابهم المعتقلين من شهر رمضان المبارك. رجال ونساء وشباب يتجمعون في ساحةٍ خارجيةٍ مظلمةٍ، على طرفها مصباحٌ وحيدٌ يبصق ضوءه الأصفر الهزيل فلا تكاد تتعرف على الوجوه إلا عندما تقترب منها. لا أدري لماذا لم تتحسّن طرق معاملة المعتقلين وعوائلهم عمّا كانت عليه قبل ثلاثين عاماً؟ وإذا كان قرار الإفراج قد صدر في النهار، فلماذا لا تتم الترتيبات في وقت مبكر، بدل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
كان هناك اثنان من مصوّري الصحيفة، وثلاثةٌ من نواب الوفاق، سألت أحدهم فقال حتى الآن أطلق حوالي 40 معتقلاً وننتظر الباقي. كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف. خرج أحد المعتقلين يحمل أغراضه، ويتلقى الأرض ساجداً، وتبدأ القبلات والأحضان. بقيت ساعةً استطلع هذا العالم الحزين حيث تترسّب في الأعماق ذكريات الظلم والقهر وسلب الحرية. هل يأتي يومٌ على بلادنا دون سجنٍ للمعارضين وأصحاب الرأي الآخر؟
في الصباح، كانت القنوات تتكلّم عن المجازر التي ينفّذها «الأخ القذافي» ضد الشعب الليبي ليبقى ملتصقاً بالكرسي إلى آخر حياته، حتى إذا مضى إلى سبيله ورّث الجماهيرية كلها لابنه سيف الاسلام.
في مستشفى السلمانية أجريت الساعة التاسعة صباحاً عملية تقويم للطبيب الاستشاري الذي أصيب بكسرٍ في عظمة الأنف في هجوم الخميس الدامي، مع فحصٍ للعين تحت التخدير التام. وفي الساعة العاشرة والنصف زار المستشفى مستشار المجلس الأعلى للقضاء الشيخ أحمد بن خلف العصفور عدداً من مصابي اللؤلؤة، وأعرب عن شجبه استخدام العنف. وسبق أن أصدر ثمانية من القضاة الشرعيين بياناً قبل يومين اعترضوا فيه على ما جرى يوم الخميس الدامي. أما «بيان مع الحرية»، الذي أطلق في أعقاب المجزرة لتأكيد حق الشعب في التعبير السلمي عن مطالبه وإدانة إزهاق الأرواح البريئة، فقد بلغ عدد الموقّعين عليه أمس 125 شخصاً من الكتاب والأدباء والفنانين البحرينيين.
في العاشرة، استقبل ميدان اللؤلؤة مسيرة نظمها طلبة كلية العلوم الصحية، واستقبل عصراً مسيرة لجمعية المصرفيين، وفي المساء استقبل مسيرة الاتحاد العام للعمال، ضمن فعاليات التضامن مع شباب اللؤلؤة.
خارجياً، أيّدت وزيرة الخارجية الأميركية الحكومة «البدء في طريق فتح حوار سياسي بعد الاحتجاجات، وإن كان على الحكومة البحرينية أن تحرص على دعم أقوالها بأفعال». وحذّرت فرنسا رعاياها من السفر للبحرين إلا في حال الضرورة، وتم إغلاق المدرسة الفرنسية حتى الثالث من مارس، وأعلن عن تأجيل فعاليات الأسبوع الفرنسي المزمع عقده بالمنامة في الفترة بين 23 فبرايرحتى 1 مارس 2011، إلى أجل غير مسمى.
صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت أمس صفحة كاملة تضمّنت تقارير مكتوبة عن البحرين، وأخرى مرئية عن مسيرة «الوفاء للشهداء» تضمنت لقاءات قصيرة مع بعض المتظاهرين. ونشرت صوراً جوية لميدان اللؤلؤة لمقارنته مع ميدان التحرير بالقاهرة، مع مقالٍ متعلقٍ بالبحرين. كما نشرت قناة «يورونيوز» تقريراً عن المسيرة وبعض المقابلات.
الساعة الواحدة والنصف نشرت الجمعيات السياسية السبع بياناً، حيّت فيه «الجماهير الغفيرة التي خرجت الثلثاء، وشاركت فيها قطاعات واسعة من مؤسسات المجتمع وقواه الحية، اعتزازاً بكوكبة الشهداء الذين مهّدوا بدمائهم الزكية الطريق للحرية والكرامة». وأعربت عن استعدادها اللقاء مع القوى السياسية الشعبية التي دعت لإصلاحات جوهرية في النظام السياسي، كتلك التي جاءت في خطبة الشيخ عبداللطيف المحمود في مسجد الفاتح، بما يعزّز الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب، وهو ما قام به تجمع شباب اللؤلؤة. وذكّرت الجمعيات بأنها دعت منذ سنوات طويلة للحوار مع السلطة حول الإصلاحات الجذرية دون أن تلقى أية استجابة.
في الثانية والنصف زرت جارنا الشيخ محمد حبيب المقداد الذي أطلق سراحه فجر أمس، وقال إنهم كانوا في عزلةٍ بسجن الحوض الجاف، ولم تصلهم الأخبار إلا بعد أسبوعٍ من وقوعها، وصدمتهم أخبار مقتل عددٍ من الشهداء بالرصاص. وبعد ساعةٍ انطلقت مسيرةٌ من منزله بالبلاد القديم باتجاه ميدان اللؤلؤة، وكان يستقل سيارةً مكشوفةً وقد حمل العلم الوطني.
آخر الأخبار وافانا به الزميل هاني الفردان، وهو خبرٌ رياضيٌ موجّهٌ لمن يريد أن يفصل السياسة عن الاقتصاد والدين والفكر والأخلاق وحتى حقوق الإنسان. فالألماني مايكل شوماخر صاحب الرقم القياسي في الفوز باللقب في سباقات الفورمولا 1، رحّب بقرار إلغاء سباق جائزة البحرين الكبرى في ضوء الاحتجاجات الجارية في دوّار اللؤلؤة، حيث قال في موقعه على الإنترنت: «مثل العديد من زملائي في سباقات الفورمولا، أعتبر إلغاء سباق البحرين قراراً جيداً، فالناس هناك لديها مشاغل أكثر خطورةً من فورمولا 1 وهذه المشاغل تحظى بالأولوية القصوى».
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3093 - الخميس 24 فبراير 2011م الموافق 21 ربيع الاول 1432هـ