استقالة سلمان كمال الدين
بعد أربعة أشهرٍ من تعيينه رئيساً للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، استقال سلمان كمال الدين.
عند صدور أمر التعيين، واجه كمال الدين - وزميله عبدالله الدرازي - الكثير من الانتقادات التي وصلت إلى التشكيك في النوايا. وتعرّض الرجلان إلى محاكمةٍ علنيةٍ شديدة الوطأة في قاعة جمعية «وعد». ووقفت ضد التيار العاصف حينها وكتبت منتقداً هذه الحملة التي جانبت الإنصاف، فليس من العدل أن تدين رجلاً قبل أن يبدأ عمله... فالمتهم - على أقل تقدير - بريء حتى تثبت إدانته.
لم تكن الاستقالة مفاجئةً، فالرجل من البداية، واستجابةً للضغط الشديد، صرّح أنه يمتلك من الشجاعة أن يستقيل إذا خالفت المؤسسة مبادئ باريس أو الاستقلالية أو الحيادية التي يجب أن تكون عليها، وشكّل هذا التصريح «كلمة شرف» أمام الجمهور المتوجس. وكان مؤكداً أن هذه الضمانة ستتعرّض للامتحان يوماً ما، لكن لم يكن متوقّعاً أن تأتي بهذه السرعة.
استقالة كمال الدين، خطوةٌ مخيّبةٌ لآمال الكثيرين من تيارات المعارضة التي تؤمن بالعمل السلمي وإمكانية تحقيق بعض المكتسبات على الأرض. وكانت إحدى حجج الدفاع عن قبول المنصب، هو ضرورة الانسجام مع الذات، فالمعارضة طالما طالبت بتمثيلها في المؤسسات الرسمية، لكيلا يقتصر على لون واحد من المحسوبين على التيار الحكومي، وما يعنيه من صوتٍ واحد، ورأي واحد، وموقف محسومٍ سلفاً لصالح الحكومة.
الاستقالة تعيد طرح السؤال من جديدٍ على الحكومة هذه المرة، فما فائدة تشكيل مؤسسات حقوقية، ستكون نسخةً أخرى من جمعيات «الغونغو» الحقوقية التي أُوعِز بتشكيلها للدفاع عنها في المحافل الدولية ومشاكسة المؤسسات الحقوقية الأهلية؟ وهو سؤالٌ يصبح أكثر إلحاحاً ووجاهةً بعد إعلان استقالة كمال الدين.
البحرين مجتمعٌ تعدّديٌ متنوّع، ولا يمكن ادعاء تمثيله بصورة حصرية، ويجب أن يستوعب الجميع هذه الحقيقة ويتعامل معها كإحدى مسلَّمات حياتنا المعاصرة. فزمن الصوت الواحد انتهى، ولم يعد ممكناً فرض رأي واحد أو ادعاء تمثيل جميع أبناء الشعب. التطوّر التقدمي نفسه يجعل ذلك عبثاً، في زمن الفضائيات وشبكة الإنترنت التي تُستخدم في أكثر من سبعين في المئة من البيوت البحرينية، وتتعامل معها الأغلبية الساحقة من أبناء الجيل الشاب (أكثر من 450 ألف مستخدم للإنترنت في البحرين). فعقلية المنع والتعتيم أو فرض موقفٍ واحدٍ على جميع الناس لم تعد عمليةً ولا ممكنةً في زمن الإنترنت.
قرار الاستقالة نفسه جاء على إثر خلاف بين كمال الدين وأعضاء المؤسسة المعيّنين بشأن الموقف من الأوضاع المستجدة. ولا يعني ذلك عدم وجود خلافات أخرى سابقة، لتبنيهم مواقف سياسية منحازة مسبقاً، وتفتقر إلى الحياد والتوازن من الناحية الحقوقية البحتة. فكمال الدين رفض إصدار بيان باسمه يخالف قناعاته، وأكد عدم جواز احتجاز أي مواطن دون توفير المعلومات لأهله عن مكان احتجازه، وطالب بالسماح للمحامين بالتواصل مع المحتجزين وحضور جلسات التحقيق. كما أكّد على عدم جواز نشر اتهامات قبل استكمال التحقيق كحقٍ أصيل من حقوق المواطنين، وهو تحدٍّ أخلاقي آخر يواجه قطاع الإعلام المسموع والمرئي والمقروء.
المؤسسة وعدت بمتابعة التحقيق، وإصدار تقريرها بشكل حيادي، وهو كلامٌ من الصعب أن يتقبله الرأي العام بعد خروج كمال الدين، فتحولت إلى مؤسسة ذات صوت واحد، تحتاج إلى جهد خارقٍ لإثبات توفر العناصر الثلاثة... الاستقلالية والمهنية والحياد.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2923 - الثلثاء 07 سبتمبر 2010م الموافق 28 رمضان 1431هـ
بعد أربعة أشهرٍ من تعيينه رئيساً للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، استقال سلمان كمال الدين.
عند صدور أمر التعيين، واجه كمال الدين - وزميله عبدالله الدرازي - الكثير من الانتقادات التي وصلت إلى التشكيك في النوايا. وتعرّض الرجلان إلى محاكمةٍ علنيةٍ شديدة الوطأة في قاعة جمعية «وعد». ووقفت ضد التيار العاصف حينها وكتبت منتقداً هذه الحملة التي جانبت الإنصاف، فليس من العدل أن تدين رجلاً قبل أن يبدأ عمله... فالمتهم - على أقل تقدير - بريء حتى تثبت إدانته.
لم تكن الاستقالة مفاجئةً، فالرجل من البداية، واستجابةً للضغط الشديد، صرّح أنه يمتلك من الشجاعة أن يستقيل إذا خالفت المؤسسة مبادئ باريس أو الاستقلالية أو الحيادية التي يجب أن تكون عليها، وشكّل هذا التصريح «كلمة شرف» أمام الجمهور المتوجس. وكان مؤكداً أن هذه الضمانة ستتعرّض للامتحان يوماً ما، لكن لم يكن متوقّعاً أن تأتي بهذه السرعة.
استقالة كمال الدين، خطوةٌ مخيّبةٌ لآمال الكثيرين من تيارات المعارضة التي تؤمن بالعمل السلمي وإمكانية تحقيق بعض المكتسبات على الأرض. وكانت إحدى حجج الدفاع عن قبول المنصب، هو ضرورة الانسجام مع الذات، فالمعارضة طالما طالبت بتمثيلها في المؤسسات الرسمية، لكيلا يقتصر على لون واحد من المحسوبين على التيار الحكومي، وما يعنيه من صوتٍ واحد، ورأي واحد، وموقف محسومٍ سلفاً لصالح الحكومة.
الاستقالة تعيد طرح السؤال من جديدٍ على الحكومة هذه المرة، فما فائدة تشكيل مؤسسات حقوقية، ستكون نسخةً أخرى من جمعيات «الغونغو» الحقوقية التي أُوعِز بتشكيلها للدفاع عنها في المحافل الدولية ومشاكسة المؤسسات الحقوقية الأهلية؟ وهو سؤالٌ يصبح أكثر إلحاحاً ووجاهةً بعد إعلان استقالة كمال الدين.
البحرين مجتمعٌ تعدّديٌ متنوّع، ولا يمكن ادعاء تمثيله بصورة حصرية، ويجب أن يستوعب الجميع هذه الحقيقة ويتعامل معها كإحدى مسلَّمات حياتنا المعاصرة. فزمن الصوت الواحد انتهى، ولم يعد ممكناً فرض رأي واحد أو ادعاء تمثيل جميع أبناء الشعب. التطوّر التقدمي نفسه يجعل ذلك عبثاً، في زمن الفضائيات وشبكة الإنترنت التي تُستخدم في أكثر من سبعين في المئة من البيوت البحرينية، وتتعامل معها الأغلبية الساحقة من أبناء الجيل الشاب (أكثر من 450 ألف مستخدم للإنترنت في البحرين). فعقلية المنع والتعتيم أو فرض موقفٍ واحدٍ على جميع الناس لم تعد عمليةً ولا ممكنةً في زمن الإنترنت.
قرار الاستقالة نفسه جاء على إثر خلاف بين كمال الدين وأعضاء المؤسسة المعيّنين بشأن الموقف من الأوضاع المستجدة. ولا يعني ذلك عدم وجود خلافات أخرى سابقة، لتبنيهم مواقف سياسية منحازة مسبقاً، وتفتقر إلى الحياد والتوازن من الناحية الحقوقية البحتة. فكمال الدين رفض إصدار بيان باسمه يخالف قناعاته، وأكد عدم جواز احتجاز أي مواطن دون توفير المعلومات لأهله عن مكان احتجازه، وطالب بالسماح للمحامين بالتواصل مع المحتجزين وحضور جلسات التحقيق. كما أكّد على عدم جواز نشر اتهامات قبل استكمال التحقيق كحقٍ أصيل من حقوق المواطنين، وهو تحدٍّ أخلاقي آخر يواجه قطاع الإعلام المسموع والمرئي والمقروء.
المؤسسة وعدت بمتابعة التحقيق، وإصدار تقريرها بشكل حيادي، وهو كلامٌ من الصعب أن يتقبله الرأي العام بعد خروج كمال الدين، فتحولت إلى مؤسسة ذات صوت واحد، تحتاج إلى جهد خارقٍ لإثبات توفر العناصر الثلاثة... الاستقلالية والمهنية والحياد.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2923 - الثلثاء 07 سبتمبر 2010م الموافق 28 رمضان 1431هـ