على الوتر
استراحة الخميس: موهبة الصمت..
لميس ضيف
كان وهيب بن ورد يقول: الحكمة عشر أجزاء؛ تسع منها في الصمت.. وأبن ورد هذا لم يرّ زماننا هذا المضمخ بالضجيج، ولو كان فعلا لرأى في الصمت عشراً كاملة! ففي يومنا هذا يكثر اللغو.. في كل مكان.. وحول أي شيء وكل شيء.. كلام غثّ بلا قيمة وآخر يستوي قوله مع الإمساك عنه. قبل سنوات فقط أظهرت دراسة فرنسية أن المرأة الفرنسية تنطق في اليوم 20 ألف كلمة فيما ينطق الرجل 8 آلاف؛ وأقول - والله أعلم- أنه لو جيء بهؤلاء الباحثين لمضاربنا «لأنفجر» العداد قبل انتهاء الدراسة..!! فإن صح ما نُسب للإمام على (ع) من أنه قال «إذا تم العقل نقص الكلام» فذاك دليلٌ دامغٌ أننا مجتمع يفقد عقله تباعاً بعد أن فقد - سلفاً- بوصلته الأخلاقية..!!
لملأ المساحة المهولة المخصصة في حياتنا للثرثرة للكل- نقول- يلجأ الناس كمخرج للحديث عن الآخر.. تعريته، تصغيره، تهميشه.. فهناك رغبة محمومة تسكن البعض لرمي ماء النار على الآخرين وتشويه صورتهم؛ رغبة مريضة يشوبها سعار الانتقام والبغض غير المبرر.. هناك اليوم من ينقض بمخالبه على أناس لا يعرفهم؛ ويحمل غلاً أسود على أناس لا يجمعهم معهم قاسم.. وإن كان من المفهوم - نسبياً- أن ينكي المرء غرماءه وأنداده؛ إلا أن الغالبية اليوم إنما تفعل دونما مبرر أو هدف واضح فيما يصح أن نقول فيه إنه وباء نفسي وأخلاقي انتشر في أوساطنا بشكل فاجر.. حتى ما عاد الناس يجدون فيه غضاضة وهم الذين سمعوا قول رسول الله (ص) لما قال «الغيبة أشد من الزنا»!
بعضنا.. يستخف بالأمر ويراه نتيجة طبيعية للفراغ والخواء الفكري الذي جعل من هتك ستر الخلق مادة للتسلية؛ ولكن للعلماء في ذلك دلو آخر.. ففي دراسة نوعية ردّ عدد من الباحثين الظاهرة لوجود انحراف في الشخصية؛ والانحراف - وفقا للعلماء- أصعب من المرض النفسي وأشد من العقلي.. فالمريض النفسي يعاني من آلام مبرحة تدفعه لطلب المساعدة أو تدمير الذات. أما ضحايا المرض العقلي «كالهستيريا والوساوس والفوبيا» فغالبا ما لا يعترفون بعللهم ولكنهم ينزوون عن المجتمع خالقين لهم عالماً خاصا يحبسون فيه ذواتهم.. وهذا ما يجعل من ذوي الانحرافات الأخطر: لأنهم يرون انحرافهم أمراً طبيعياً ومسلما به.. ويوجهون طاقتهم العدوانية للأفراد دونما حرج.. وهذه الشخصيات السيكوباثية تجد في تحطيم الآخر واغتيال شخصيته نشوة عظيمة.. بعضهم يفرح بعثرات الناس ويرى أخبارها مغنماً.. وبعضهم يعتبر الحطّ من مكاسب الآخر إنجازاً.. فالغيبة في باطنها تنفيس:
تنفيس عن إحباطات داخلية.. تنفيس عن طاقة عدوانية.. وعن رغبات مكبوتة.. وهذا التنفيس الأرعن يحرم المرء من قوة مغوارة لبناء الحياة.. فهؤلاء الذين يتقفون الراحة والإحساس بالرفعة في الحطّ من الآخرين - عادةً- ما لا يتقدمون في شيء؛ لأن طاقة طموحاتهم المعطلة وأحلامهم المؤجلة تجد لآلامها مسارب غير نافعة لذا فمن درر الأمام أنه قال «طوبى لمن شغله عيبه؛ عن عيب الناس».
__________
رحيق الكلام :
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. فليقل خيراً أو ليصمت».
حديث شريف
صحيفة الو قت
استراحة الخميس: موهبة الصمت..
لميس ضيف
كان وهيب بن ورد يقول: الحكمة عشر أجزاء؛ تسع منها في الصمت.. وأبن ورد هذا لم يرّ زماننا هذا المضمخ بالضجيج، ولو كان فعلا لرأى في الصمت عشراً كاملة! ففي يومنا هذا يكثر اللغو.. في كل مكان.. وحول أي شيء وكل شيء.. كلام غثّ بلا قيمة وآخر يستوي قوله مع الإمساك عنه. قبل سنوات فقط أظهرت دراسة فرنسية أن المرأة الفرنسية تنطق في اليوم 20 ألف كلمة فيما ينطق الرجل 8 آلاف؛ وأقول - والله أعلم- أنه لو جيء بهؤلاء الباحثين لمضاربنا «لأنفجر» العداد قبل انتهاء الدراسة..!! فإن صح ما نُسب للإمام على (ع) من أنه قال «إذا تم العقل نقص الكلام» فذاك دليلٌ دامغٌ أننا مجتمع يفقد عقله تباعاً بعد أن فقد - سلفاً- بوصلته الأخلاقية..!!
لملأ المساحة المهولة المخصصة في حياتنا للثرثرة للكل- نقول- يلجأ الناس كمخرج للحديث عن الآخر.. تعريته، تصغيره، تهميشه.. فهناك رغبة محمومة تسكن البعض لرمي ماء النار على الآخرين وتشويه صورتهم؛ رغبة مريضة يشوبها سعار الانتقام والبغض غير المبرر.. هناك اليوم من ينقض بمخالبه على أناس لا يعرفهم؛ ويحمل غلاً أسود على أناس لا يجمعهم معهم قاسم.. وإن كان من المفهوم - نسبياً- أن ينكي المرء غرماءه وأنداده؛ إلا أن الغالبية اليوم إنما تفعل دونما مبرر أو هدف واضح فيما يصح أن نقول فيه إنه وباء نفسي وأخلاقي انتشر في أوساطنا بشكل فاجر.. حتى ما عاد الناس يجدون فيه غضاضة وهم الذين سمعوا قول رسول الله (ص) لما قال «الغيبة أشد من الزنا»!
بعضنا.. يستخف بالأمر ويراه نتيجة طبيعية للفراغ والخواء الفكري الذي جعل من هتك ستر الخلق مادة للتسلية؛ ولكن للعلماء في ذلك دلو آخر.. ففي دراسة نوعية ردّ عدد من الباحثين الظاهرة لوجود انحراف في الشخصية؛ والانحراف - وفقا للعلماء- أصعب من المرض النفسي وأشد من العقلي.. فالمريض النفسي يعاني من آلام مبرحة تدفعه لطلب المساعدة أو تدمير الذات. أما ضحايا المرض العقلي «كالهستيريا والوساوس والفوبيا» فغالبا ما لا يعترفون بعللهم ولكنهم ينزوون عن المجتمع خالقين لهم عالماً خاصا يحبسون فيه ذواتهم.. وهذا ما يجعل من ذوي الانحرافات الأخطر: لأنهم يرون انحرافهم أمراً طبيعياً ومسلما به.. ويوجهون طاقتهم العدوانية للأفراد دونما حرج.. وهذه الشخصيات السيكوباثية تجد في تحطيم الآخر واغتيال شخصيته نشوة عظيمة.. بعضهم يفرح بعثرات الناس ويرى أخبارها مغنماً.. وبعضهم يعتبر الحطّ من مكاسب الآخر إنجازاً.. فالغيبة في باطنها تنفيس:
تنفيس عن إحباطات داخلية.. تنفيس عن طاقة عدوانية.. وعن رغبات مكبوتة.. وهذا التنفيس الأرعن يحرم المرء من قوة مغوارة لبناء الحياة.. فهؤلاء الذين يتقفون الراحة والإحساس بالرفعة في الحطّ من الآخرين - عادةً- ما لا يتقدمون في شيء؛ لأن طاقة طموحاتهم المعطلة وأحلامهم المؤجلة تجد لآلامها مسارب غير نافعة لذا فمن درر الأمام أنه قال «طوبى لمن شغله عيبه؛ عن عيب الناس».
__________
رحيق الكلام :
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. فليقل خيراً أو ليصمت».
حديث شريف
صحيفة الو قت