الشهيد الجماصي
العابد الزاهد و صاحب العملية البحرية النوعية
غزة – خاص :
على خطى القائد القسامي مفجّر ثورة الزوارق البحرية المفخّخة ، القائد حمدي انصيو منفّذ أول عملية زورق بحري في بداية الانتفاضة المباركة ، فجّر الاستشهادي محمود ياسين داوود الجماصي - 23 عاماً - زورقه البحري المفخخ في سفينة دافور الصهيونية في بحر شاطئ شمال غزة ، مقابل (مغتصبة) دوغيت صباح الجمعة الموافق 17/1/2003 م عند الساعة العاشرة صباحاً .
و ادعت مصادر عسكرية صهيونية أن قارب صيدٍ مفخّخ انفجر صباح الجمعة ، قرب سفينة "دبور" التابعة لسلاح البحرية الصهيونية التي أبحرت قرب مستوطنة "دوغيت" في شمال قطاع غزة، و لم يبلغ عن وقوع إصابات الأمر الذي كذّبه شهود عيان من الشرطة البحرية .
و كان الطاقم على متن "دفور" قد رصد قارب صيد فلسطيني أبحر في منطقة أمام سواحل قطاع غزة ، يحظر الإبحار فيها. و أطلق طاقم السفينة الصهيونية النار باتجاه القارب مما أدّى إلى انفجاره . و تزعم الجهات الأمنية الصهيونية أن القارب الفلسطيني اقترب من سفينة "دفور" بهدف تنفيذ عملية تفجيرية .
و تعتبر العملية التي تبنتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" يوم الجمعة الفائت قبالة شواطئ غزة تطوّراً نوعياً في عمل المقاومة الفلسطينية التي استخدمت أسلوباً جديداً فيها من خلال "طوافة" تستخدم لأول مرة في العمليات الفدائية ، كما يعتبر منفّذها الاستشهادي الجماصي باكورة الاستشهاديين في حي الصبرة في مدينة غزة .
الشهيد الجماصي :
ولد الشهيد محمود ياسين الجماصي بتاريخ 28/8/1982م ، و ترعرع في أسرة محافظة ، تربّى على قراءة القرآن و العبادة و الصلاة ، و مما ساهم في صقل شخصية محمود الإسلامية والده الشيخ ياسين الجماصي قاضي غزة الشرعي .
التحق بصفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس و هو في المرحلة الإعدادية ضمن النشاط الإعلامي في مسجد السلام بحي الصبرة ، لما يمتلكه محمود من قدرات على فعل الكثير في مجال الإعلام من تخطيطٍ و تنفيذ ، ثم عمل في مجال الدعوة ، و التحق بمسجد الإيمان في نفس الحي ، و كان نعم الرجل العابد المطيع .
تلقّى جلسات أسرية إيمانية روحانية عبادية ، حيث كان جلّ وقته لله تعالى ، مما لفت انتباه كوادر و قيادات حركة حماس في المنطقة كونه زاهداً عابداً، فعمل مرةً أخرى في مجال الأحداث و من خلال قدراته و إمكانياته و نشاطه عمل ضمن صفوف الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحماس . و التحق بجامعة الأزهر في كلية الحقوق ، و تدرّج خلال هذه الفترة في قيادة الكتلة حتى أصبح عضو هيئة إدارية في الجامعة للكتلة الإسلامية .
في هذه الأثناء أخذ محمود يبحث عن الشهادة بكلّ الطرق و الوسائل ، و كان شغوفاً في طلبها ، لدرجة أنه اشترى من ماله الخاص حذاءاً عسكرياً و جمع بعض الأموال من أصدقائه لشراء ذخيرة ، حتى وصل الحد بأحد إخوانه أنه أراد أن يشتري له قطعة سلاح من نوع كلاشنكوف و كان محمود يفكّر في الخروج لتنفيذ عملية لوحده لمهاجمة هدف صهيوني رصده بنفسه لفترة طويلة دون أن يعلم أحد .
الانضمام لصفوف القسام :
إلا أن أحد الأخوة ممن يعرف محمود استطاع إيصاله إلى أحد القادة الميدانيين لكتائب الشهيد عز الدين القسام الذي نصح شهيدنا محمود بالتريث ، و بالفعل بعد فترة وجيزة جاءه القبول كجنديّ ضمن صفوف القسام ، و كان ذلك قبل استشهاد القائد العام الشيخ صلاح شحادة – رحمه الله - .
قام شهيدنا محمود بزراعة العبوات الناسفة في منطقة تل الهوى خلال الاجتياح الصهيوني الشهير لمخيم جنين في إبريل (نيسان) 2002 ، و كذلك زرع في منطقة الزيتون ، إضافة لمشاركته في التصدّي للاجتياح لمنطقتي الزيتون و الشجاعية التي استشهد خلالها القائد القسامي ياسين نصار ، و استطاعت كتائب القسام خلالها تدمير ثلاثة دبابات صهيونية من نوع ميركافاه .
و شارك محمود في إطلاق قذائف الهاون و صواريخ القسام ، علاوةً على مشاركته لأبناء حماس و القسام في الاعتصام أمام منزل الشيخ أحمد ياسين عندما حاولت السلطة الفلسطينية فرض الإقامة الجبرية عليه .
و كان شهيدنا محمود من الأصدقاء المقربين للشهيد القسامي عاصم السوسي ، إضافة إلى علاقته الدعوية بالاستشهادي القسامي أسامة حلس قائد الكتلة الإسلامية في غزة ، و الذي استشهد في عملية استشهادية قرب مغتصبة غوش قطيف نهاية نوفمبر 2001 .
كان محمود يتمنّى رؤية القائد العام الشيخ صلاح شحادة ، لدرجة أن الشيخ صلاح عندما شارك في الاطمئنان على مجاهدي القسام في منطقة تل الهوى و الصبرة و استعدادهم للتصدّي للقوات الصهيونية الغازية لم يكن محمود ضمن مجموعته ، فحزن محمود كثيراً لعدم وجوده في تلك اللحظة ، إضافة إلى أنه كم كان يتمنّى رؤية القائد القسامي الكبير محمد الضيف "أبو خالد" و لعلّ هذه الأمنية قد تحقّقت له قبيل استشهاده .
الاستعداد و الاختيار للشهادة :
و من كثرة إلحاحه في طلب الشهادة اختاره المجاهدون للاستشهاد ، فقام الأخوة بإخضاعه للتدريب المكثف على كافة أنواع الأسلحة الرشاشة ، و كان محمود يجيد عملية القنص بصورة كبيرة ، إضافة إلى إجادته لعملية زرع العبوات الناسفة للدبابات الصهيونية .
و من ثم اختير محمود من بين آلاف الاستشهاديين للعملية البحرية حيث كان المطلوب استشهادياً متعلماً و ماهراً في السباحة ، و لديه القدرة الكافية على التفكير في أي ظرف من الظروف ، و كان محمود يدعو الله كثيراً قبل أن يعرف خبر الموافقة "اللهم اختارني إليك شهيداً في عملية استشهادية في البحر" ، و عندما علم بالموافقة فرح كثيراً لأنها استجابة لدعائه .
الوصية و المحاولات غير الناجحة :
قام شهيدنا محمود بكتابة وصيته في الأيام الخمس الأولى من شهر رمضان المبارك ، و بعدها بخمسة أيام قام بتصوير شريط فيديو الوصية ، و كان من المفترض أن تكون العملية في أيّ يوم بعد العاشر من رمضان مباشرةً ، إلا أن العملية أجّلت بسبب حدوث عملية بحرية للجهاد الإسلامي ، و فرض حصارٍ صهيوني على البحر .
و بعد انتهاء شهر رمضان و عيد الفطر السعيد ، انتظر المجاهدون البحر حتى يهيج بالتيار الشمالي لأن العملية تعتمد عليه بصورة كبيرة ، و في الوقت الذي رفع فيه الحصار الصهيوني عن البحر فوجئ المجاهدون بهدوء البحر ... فتمّ تأجيل العملية للمرة الثانية .
و بعد طول انتظار جاءت الموافقة لمحمود على التنفيذ في يوم الأربعاء ، و تم إبلاغه يوم الثلاثاء ، و فعلاً ودّع محمود بعض أصدقائه و أظهر للجميع المعاملة الحسنة و كان يقول لمن يراه : "سأتزوج خلال اليومين القادمين" ، و ذهب محمود برفقة المجاهدين للبحر ، إلا أنهم لم يجدوا صيادين داخل البحر ، فأجّلت لليوم التالي الخميس .
الاستشهاد :
خرج محمود من حيّ الصبرة يوم الخميس ليلة الجمعة عند الساعة 12 ليلاً و كان على اتصال مباشر بأبناء القسام حتى آخر لحظة ، و كان يقول لأحد إخوانه قبيل خروجه : "سيفاجأ الصهاينة من الجسم الغريب داخل البحر ، لأنهم لم يروه من قبل ، و سيأتون لي دون أن أذهب إليهم !! " . و كان معه بخلافِ العبوة الناسفة 4 قنابل يدوية احتياطاً لأي طارئ .
و قد أكّد أحد أفراد الشرطة البحرية لذوي الشهيد أنه رأى الشهيد محمود بأم عينيه يصطدم بعوامته بصورة مباشرة في الدبور الصهيوني و تمت عملية التفجير بنجاح .
أسلوب جديد :
و كشفت مصادر فلسطينية مطلعة أن كتائب القسام استخدمت في هذه العملية و لأول مرة طوافة لمباغتة خفر السواحل الصهيونية الذين يفرضون حصاراً مشدّداً على شواطئ قطاع غزة .
و أضافت المصادر أن الوسيلة التي استخدمتها كتائب القسام في هذه العملية النوعية و الأولى من نوعها هي عبارة عن عوامة تم تطوريها لتصبح "طوافة" تم طلاؤها بنفس لون الماء لعدم كشفها بحيث يتمكّن قائدها من الغوص تحت الماء من أجل أن يقطع مسافات طويلة للوصول إلى هدفه .
و قال صيادون فلسطينيون إنهم و أثناء إبحارهم للصيد ارتطموا بجسم غريب تحت الماء فظنوا أنه حمولة ألقيت في البحر و حاولوا جرّها للشاطئ لكنهم فوجئوا بشابٍ يخرج لهم من داخل هذا الجسم الغريب الذي لم يعرفونه و يشهر سلاحه في وجوههم و يطلب منهم مغادرة البحر فوراً .
و أضاف الصيادون أنهم انصاعوا لأوامر الفدائيّ ، و أدركوا في حينها أنه في طريقه لتنفيذ عملية فدائية ، و أنهم و بعد مغادرتهم البحر بقليل سمعوا صوت إطلاق نار من سلاح من نوع كلاشنكوف و هو عادة ما يستخدمه رجال المقاومة و من ثم وقع انفجار قويّ داخل البحر .
و أكّد أصدقاء الشهيد أنه كان يداوم في الفترة الأخيرة على الذهاب للبحر و التعلّم على إتقان السباحة و الغطس حتى أصبح يمتلك مهارات كبيرة في السباحة و الغطس ، و أنه يتمكّن من البقاء تحت الماء لفترات طويلة و يعوم كذلك على سطح الماء دون حراك ، مشيرين إلى أنه خرج قبل ذلك أكثر من مرة لتنفيذ هذه العملية لكن هناك ظروف لم تمكّنه حتى تم ذلك يوم الجمعة .
مسيرة رمزية و عرض عسكري :
و نظّمت حركة المقاومة الإسلامية حماس ليلة السبت 20/1 جنازة جماهيرية حاشدة رمزية للاستشهادي القسّامي الشهيد محمود ياسين الجماصي - 23 عاماً - من حي الصبرة ، و الذي استشهد في عملية بحرية نوعية استهدفت زورقاً صهيونياً قبالة (مغتصبة) مستوطنة دوغيت شمال قطاع غزة صباح الجمعة الماضي .
و انطلقت المسيرة من ميدان فلسطين بغزة بمشاركة عشرة آلاف فلسطيني يحملون الرايات الخضراء و صور الشهيد الجماصي و شعارات تؤكّد على استمرار المقاومة ، إضافةً إلى نعشٍ رمزي للشهيد الجماصي الذي تطايرت أشلاؤه في البحر و امتزجت بمائه و لم يبقَ شيء من جثته لدفنها ، و قطعت المسيرة شارع عمر المختار و شارع الثلاثيني باتجاه منزل عائلة الشهيد جنوب مسجد السلام بحي الصبرة ، و كان في مقدمة المسيرة عشرات المسلحين من كتائب الشهيد عز الدين القسام بزيهم الرسمي ، الذين أطلقوا النار في الهواء تحية لروح الشهيد .
و ردّد المشاركون هتافات إسلامية تشيد بعملية الشهيد الاستشهادية النوعية مثل "يا محمود اتهنّا اتهنّا ، و احنا وراك على الجنة" ، و "للكتائب تحية على العملية النوعية" .
و أقيمت في مكان العزاء الذي يؤمّه الآلاف من الفلسطينيين منذ صباح الجمعة صلاة الغائب على روح الشهيد حيث أم الآلاف الذين شاركوا في هذه الصلاة والد الشهيد الشيخ ياسين الجماصي قاضي غزة الشرعي ، كما تمّ عرض وصية الشهيد المصورة على شاشات كبيرة وسط هتاف آلاف من الشبان "بالروح بالدم نفديك يا محمود" ، و قال محمود في وصيته : "الحمد لله الذي جعلني من أبناء كتائب القسام الذين يحملون السلاح لرفع كرامة و شرف الأمة ، و إنني أقوم بعمليتي هذه إرضاءً لله و انتقاماً من أعداء البشرية الذين يقتلون الأطفال صباح مساء" .. مؤكّداً أن أبناء القسام لا يبغون أناشيد الموت فقط ، بل يبغون ألحان الحياة ، و أنه سيفجّر نفسه في سبيل الله انتقاماً لشهداء القسام و فلسطين .. و خاطب أهل فلسطين بقوله : "إن الحقوق المسلوبة لا تسترد إلا بالدم و البارود" .
و نظّمت عناصر كتائب القسام في بيت العزاء عرضاً عسكرياً بزيّهم الرسمي شارك فيه العشرات منهم الذين أطلقوا النار في الهواء و تعهّدوا على الاستمرار في طريق المقاومة كما سار عليها رفيق دربهم محمود .
و كان في بيت العزاء قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس كان على رأسهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين ، و الدكتور محمود الزهار ، و الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ، إضافةً للآلاف من عناصر و كوادر الحركة .
يذكر أن الشهيد الجماصي هو باكورة استشهاديّي حيّ الصبرة و هو الحي الذي يسكن فيه الشيخ أحمد ياسين ، و سبق لهذا الحي أن آوى الشيخ القائد صلاح شحادة قبل استشهاده ، و كذلك ثلاثة من قادة كتائب القسام في الانتفاضة الأولى عام 1987 الذين استشهدوا في معركة الصبرة الشهيرة بتاريخ 24/5/1992 و هم ياسر الحسنات ، و مروان الزايغ ، و محمد قنديل .
العابد الزاهد و صاحب العملية البحرية النوعية
غزة – خاص :
على خطى القائد القسامي مفجّر ثورة الزوارق البحرية المفخّخة ، القائد حمدي انصيو منفّذ أول عملية زورق بحري في بداية الانتفاضة المباركة ، فجّر الاستشهادي محمود ياسين داوود الجماصي - 23 عاماً - زورقه البحري المفخخ في سفينة دافور الصهيونية في بحر شاطئ شمال غزة ، مقابل (مغتصبة) دوغيت صباح الجمعة الموافق 17/1/2003 م عند الساعة العاشرة صباحاً .
و ادعت مصادر عسكرية صهيونية أن قارب صيدٍ مفخّخ انفجر صباح الجمعة ، قرب سفينة "دبور" التابعة لسلاح البحرية الصهيونية التي أبحرت قرب مستوطنة "دوغيت" في شمال قطاع غزة، و لم يبلغ عن وقوع إصابات الأمر الذي كذّبه شهود عيان من الشرطة البحرية .
و كان الطاقم على متن "دفور" قد رصد قارب صيد فلسطيني أبحر في منطقة أمام سواحل قطاع غزة ، يحظر الإبحار فيها. و أطلق طاقم السفينة الصهيونية النار باتجاه القارب مما أدّى إلى انفجاره . و تزعم الجهات الأمنية الصهيونية أن القارب الفلسطيني اقترب من سفينة "دفور" بهدف تنفيذ عملية تفجيرية .
و تعتبر العملية التي تبنتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" يوم الجمعة الفائت قبالة شواطئ غزة تطوّراً نوعياً في عمل المقاومة الفلسطينية التي استخدمت أسلوباً جديداً فيها من خلال "طوافة" تستخدم لأول مرة في العمليات الفدائية ، كما يعتبر منفّذها الاستشهادي الجماصي باكورة الاستشهاديين في حي الصبرة في مدينة غزة .
الشهيد الجماصي :
ولد الشهيد محمود ياسين الجماصي بتاريخ 28/8/1982م ، و ترعرع في أسرة محافظة ، تربّى على قراءة القرآن و العبادة و الصلاة ، و مما ساهم في صقل شخصية محمود الإسلامية والده الشيخ ياسين الجماصي قاضي غزة الشرعي .
التحق بصفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس و هو في المرحلة الإعدادية ضمن النشاط الإعلامي في مسجد السلام بحي الصبرة ، لما يمتلكه محمود من قدرات على فعل الكثير في مجال الإعلام من تخطيطٍ و تنفيذ ، ثم عمل في مجال الدعوة ، و التحق بمسجد الإيمان في نفس الحي ، و كان نعم الرجل العابد المطيع .
تلقّى جلسات أسرية إيمانية روحانية عبادية ، حيث كان جلّ وقته لله تعالى ، مما لفت انتباه كوادر و قيادات حركة حماس في المنطقة كونه زاهداً عابداً، فعمل مرةً أخرى في مجال الأحداث و من خلال قدراته و إمكانياته و نشاطه عمل ضمن صفوف الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحماس . و التحق بجامعة الأزهر في كلية الحقوق ، و تدرّج خلال هذه الفترة في قيادة الكتلة حتى أصبح عضو هيئة إدارية في الجامعة للكتلة الإسلامية .
في هذه الأثناء أخذ محمود يبحث عن الشهادة بكلّ الطرق و الوسائل ، و كان شغوفاً في طلبها ، لدرجة أنه اشترى من ماله الخاص حذاءاً عسكرياً و جمع بعض الأموال من أصدقائه لشراء ذخيرة ، حتى وصل الحد بأحد إخوانه أنه أراد أن يشتري له قطعة سلاح من نوع كلاشنكوف و كان محمود يفكّر في الخروج لتنفيذ عملية لوحده لمهاجمة هدف صهيوني رصده بنفسه لفترة طويلة دون أن يعلم أحد .
الانضمام لصفوف القسام :
إلا أن أحد الأخوة ممن يعرف محمود استطاع إيصاله إلى أحد القادة الميدانيين لكتائب الشهيد عز الدين القسام الذي نصح شهيدنا محمود بالتريث ، و بالفعل بعد فترة وجيزة جاءه القبول كجنديّ ضمن صفوف القسام ، و كان ذلك قبل استشهاد القائد العام الشيخ صلاح شحادة – رحمه الله - .
قام شهيدنا محمود بزراعة العبوات الناسفة في منطقة تل الهوى خلال الاجتياح الصهيوني الشهير لمخيم جنين في إبريل (نيسان) 2002 ، و كذلك زرع في منطقة الزيتون ، إضافة لمشاركته في التصدّي للاجتياح لمنطقتي الزيتون و الشجاعية التي استشهد خلالها القائد القسامي ياسين نصار ، و استطاعت كتائب القسام خلالها تدمير ثلاثة دبابات صهيونية من نوع ميركافاه .
و شارك محمود في إطلاق قذائف الهاون و صواريخ القسام ، علاوةً على مشاركته لأبناء حماس و القسام في الاعتصام أمام منزل الشيخ أحمد ياسين عندما حاولت السلطة الفلسطينية فرض الإقامة الجبرية عليه .
و كان شهيدنا محمود من الأصدقاء المقربين للشهيد القسامي عاصم السوسي ، إضافة إلى علاقته الدعوية بالاستشهادي القسامي أسامة حلس قائد الكتلة الإسلامية في غزة ، و الذي استشهد في عملية استشهادية قرب مغتصبة غوش قطيف نهاية نوفمبر 2001 .
كان محمود يتمنّى رؤية القائد العام الشيخ صلاح شحادة ، لدرجة أن الشيخ صلاح عندما شارك في الاطمئنان على مجاهدي القسام في منطقة تل الهوى و الصبرة و استعدادهم للتصدّي للقوات الصهيونية الغازية لم يكن محمود ضمن مجموعته ، فحزن محمود كثيراً لعدم وجوده في تلك اللحظة ، إضافة إلى أنه كم كان يتمنّى رؤية القائد القسامي الكبير محمد الضيف "أبو خالد" و لعلّ هذه الأمنية قد تحقّقت له قبيل استشهاده .
الاستعداد و الاختيار للشهادة :
و من كثرة إلحاحه في طلب الشهادة اختاره المجاهدون للاستشهاد ، فقام الأخوة بإخضاعه للتدريب المكثف على كافة أنواع الأسلحة الرشاشة ، و كان محمود يجيد عملية القنص بصورة كبيرة ، إضافة إلى إجادته لعملية زرع العبوات الناسفة للدبابات الصهيونية .
و من ثم اختير محمود من بين آلاف الاستشهاديين للعملية البحرية حيث كان المطلوب استشهادياً متعلماً و ماهراً في السباحة ، و لديه القدرة الكافية على التفكير في أي ظرف من الظروف ، و كان محمود يدعو الله كثيراً قبل أن يعرف خبر الموافقة "اللهم اختارني إليك شهيداً في عملية استشهادية في البحر" ، و عندما علم بالموافقة فرح كثيراً لأنها استجابة لدعائه .
الوصية و المحاولات غير الناجحة :
قام شهيدنا محمود بكتابة وصيته في الأيام الخمس الأولى من شهر رمضان المبارك ، و بعدها بخمسة أيام قام بتصوير شريط فيديو الوصية ، و كان من المفترض أن تكون العملية في أيّ يوم بعد العاشر من رمضان مباشرةً ، إلا أن العملية أجّلت بسبب حدوث عملية بحرية للجهاد الإسلامي ، و فرض حصارٍ صهيوني على البحر .
و بعد انتهاء شهر رمضان و عيد الفطر السعيد ، انتظر المجاهدون البحر حتى يهيج بالتيار الشمالي لأن العملية تعتمد عليه بصورة كبيرة ، و في الوقت الذي رفع فيه الحصار الصهيوني عن البحر فوجئ المجاهدون بهدوء البحر ... فتمّ تأجيل العملية للمرة الثانية .
و بعد طول انتظار جاءت الموافقة لمحمود على التنفيذ في يوم الأربعاء ، و تم إبلاغه يوم الثلاثاء ، و فعلاً ودّع محمود بعض أصدقائه و أظهر للجميع المعاملة الحسنة و كان يقول لمن يراه : "سأتزوج خلال اليومين القادمين" ، و ذهب محمود برفقة المجاهدين للبحر ، إلا أنهم لم يجدوا صيادين داخل البحر ، فأجّلت لليوم التالي الخميس .
الاستشهاد :
خرج محمود من حيّ الصبرة يوم الخميس ليلة الجمعة عند الساعة 12 ليلاً و كان على اتصال مباشر بأبناء القسام حتى آخر لحظة ، و كان يقول لأحد إخوانه قبيل خروجه : "سيفاجأ الصهاينة من الجسم الغريب داخل البحر ، لأنهم لم يروه من قبل ، و سيأتون لي دون أن أذهب إليهم !! " . و كان معه بخلافِ العبوة الناسفة 4 قنابل يدوية احتياطاً لأي طارئ .
و قد أكّد أحد أفراد الشرطة البحرية لذوي الشهيد أنه رأى الشهيد محمود بأم عينيه يصطدم بعوامته بصورة مباشرة في الدبور الصهيوني و تمت عملية التفجير بنجاح .
أسلوب جديد :
و كشفت مصادر فلسطينية مطلعة أن كتائب القسام استخدمت في هذه العملية و لأول مرة طوافة لمباغتة خفر السواحل الصهيونية الذين يفرضون حصاراً مشدّداً على شواطئ قطاع غزة .
و أضافت المصادر أن الوسيلة التي استخدمتها كتائب القسام في هذه العملية النوعية و الأولى من نوعها هي عبارة عن عوامة تم تطوريها لتصبح "طوافة" تم طلاؤها بنفس لون الماء لعدم كشفها بحيث يتمكّن قائدها من الغوص تحت الماء من أجل أن يقطع مسافات طويلة للوصول إلى هدفه .
و قال صيادون فلسطينيون إنهم و أثناء إبحارهم للصيد ارتطموا بجسم غريب تحت الماء فظنوا أنه حمولة ألقيت في البحر و حاولوا جرّها للشاطئ لكنهم فوجئوا بشابٍ يخرج لهم من داخل هذا الجسم الغريب الذي لم يعرفونه و يشهر سلاحه في وجوههم و يطلب منهم مغادرة البحر فوراً .
و أضاف الصيادون أنهم انصاعوا لأوامر الفدائيّ ، و أدركوا في حينها أنه في طريقه لتنفيذ عملية فدائية ، و أنهم و بعد مغادرتهم البحر بقليل سمعوا صوت إطلاق نار من سلاح من نوع كلاشنكوف و هو عادة ما يستخدمه رجال المقاومة و من ثم وقع انفجار قويّ داخل البحر .
و أكّد أصدقاء الشهيد أنه كان يداوم في الفترة الأخيرة على الذهاب للبحر و التعلّم على إتقان السباحة و الغطس حتى أصبح يمتلك مهارات كبيرة في السباحة و الغطس ، و أنه يتمكّن من البقاء تحت الماء لفترات طويلة و يعوم كذلك على سطح الماء دون حراك ، مشيرين إلى أنه خرج قبل ذلك أكثر من مرة لتنفيذ هذه العملية لكن هناك ظروف لم تمكّنه حتى تم ذلك يوم الجمعة .
مسيرة رمزية و عرض عسكري :
و نظّمت حركة المقاومة الإسلامية حماس ليلة السبت 20/1 جنازة جماهيرية حاشدة رمزية للاستشهادي القسّامي الشهيد محمود ياسين الجماصي - 23 عاماً - من حي الصبرة ، و الذي استشهد في عملية بحرية نوعية استهدفت زورقاً صهيونياً قبالة (مغتصبة) مستوطنة دوغيت شمال قطاع غزة صباح الجمعة الماضي .
و انطلقت المسيرة من ميدان فلسطين بغزة بمشاركة عشرة آلاف فلسطيني يحملون الرايات الخضراء و صور الشهيد الجماصي و شعارات تؤكّد على استمرار المقاومة ، إضافةً إلى نعشٍ رمزي للشهيد الجماصي الذي تطايرت أشلاؤه في البحر و امتزجت بمائه و لم يبقَ شيء من جثته لدفنها ، و قطعت المسيرة شارع عمر المختار و شارع الثلاثيني باتجاه منزل عائلة الشهيد جنوب مسجد السلام بحي الصبرة ، و كان في مقدمة المسيرة عشرات المسلحين من كتائب الشهيد عز الدين القسام بزيهم الرسمي ، الذين أطلقوا النار في الهواء تحية لروح الشهيد .
و ردّد المشاركون هتافات إسلامية تشيد بعملية الشهيد الاستشهادية النوعية مثل "يا محمود اتهنّا اتهنّا ، و احنا وراك على الجنة" ، و "للكتائب تحية على العملية النوعية" .
و أقيمت في مكان العزاء الذي يؤمّه الآلاف من الفلسطينيين منذ صباح الجمعة صلاة الغائب على روح الشهيد حيث أم الآلاف الذين شاركوا في هذه الصلاة والد الشهيد الشيخ ياسين الجماصي قاضي غزة الشرعي ، كما تمّ عرض وصية الشهيد المصورة على شاشات كبيرة وسط هتاف آلاف من الشبان "بالروح بالدم نفديك يا محمود" ، و قال محمود في وصيته : "الحمد لله الذي جعلني من أبناء كتائب القسام الذين يحملون السلاح لرفع كرامة و شرف الأمة ، و إنني أقوم بعمليتي هذه إرضاءً لله و انتقاماً من أعداء البشرية الذين يقتلون الأطفال صباح مساء" .. مؤكّداً أن أبناء القسام لا يبغون أناشيد الموت فقط ، بل يبغون ألحان الحياة ، و أنه سيفجّر نفسه في سبيل الله انتقاماً لشهداء القسام و فلسطين .. و خاطب أهل فلسطين بقوله : "إن الحقوق المسلوبة لا تسترد إلا بالدم و البارود" .
و نظّمت عناصر كتائب القسام في بيت العزاء عرضاً عسكرياً بزيّهم الرسمي شارك فيه العشرات منهم الذين أطلقوا النار في الهواء و تعهّدوا على الاستمرار في طريق المقاومة كما سار عليها رفيق دربهم محمود .
و كان في بيت العزاء قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس كان على رأسهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين ، و الدكتور محمود الزهار ، و الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ، إضافةً للآلاف من عناصر و كوادر الحركة .
يذكر أن الشهيد الجماصي هو باكورة استشهاديّي حيّ الصبرة و هو الحي الذي يسكن فيه الشيخ أحمد ياسين ، و سبق لهذا الحي أن آوى الشيخ القائد صلاح شحادة قبل استشهاده ، و كذلك ثلاثة من قادة كتائب القسام في الانتفاضة الأولى عام 1987 الذين استشهدوا في معركة الصبرة الشهيرة بتاريخ 24/5/1992 و هم ياسر الحسنات ، و مروان الزايغ ، و محمد قنديل .