"إن جميع الحركات القبلية، كما قد نتوقع، تنزلق في منتهى اليسر إلى منحدر تُمثّله الأعداد الضخمة. فحيثما كانت الكثرة فهناك الأمان، ما تؤمن به الكثرة يجب أن يكون حقاً، ما تريده الكثرة يجب أن يكون جديراً بأن نعمل من أجله، يجب أن يكون ضرورياً وبالتالي خيراً. في صيحة الكثرة تكمن القوة اللازمة لانتزاع الرغبات بالقوة، غير أن أحلي شيء هو ذلك الانزلاق اللطيف غير المؤذي إلي حيث ملكوت الطفولة، إلي فردوس الرعاية الأبوية، إلي حيث الرضا وراحة البال وانعدام المسؤولية! كل تفكير وكل توجيه للانتباه، إنما يتم من القمة، توجد أجوبة على جميع الأسئلة وتؤمّن المؤونة اللازمة لجميع الاحتياجات. حالة الحلم الطفولي الذي يحلم به إنسان القطيع حالة غير حقيقية، حتى أنه لا يفكر أبدا أن يسأل: من يدفع من أجل هذا الفردوس! موازنة الحسابات متروكة لسلطة سياسية أو اجتماعية عليا، ترحب بالمهمة لأن ذلك يزيد من سلطتها، وكلما زادت سلطتها، أضحى الفرد ضعيفاً لا عون له. حيثما تطورت أحوال اجتماعية من هذا النوع على نطاق واسع، انفتح الطريق أمام الطغيان، وانقلبت حرية الفرد عبودية روحية وجسمانية. وبما أن كل طغيان بحكم طبيعته هو غير أخلاقي وخالٍ من الرحمة، فإن لديه (أي هذ الطغيان) حرية اختيار أساليبه أكثر من المؤسسة التي لا تزال تأخذ في حسابها قيمة الإنسان الفرد. فإذا اضطرت هذه المؤسسة إلى الدخول في نزاع مع الدولة المنظمة، سرعان ما يتضح لها العيب الحقيقي الذي يترتب على أخلاقيتها، ولذلك تشعر أنها مضطرة إلي الاستفادة من نفس الأساليب التي ينتهجها خصمها. بهذه الطريقة ينتشر الشر بحكم الضرورة، حتى حين يمكن تفادي العدوى المباشرة. ويشتد خطر العدوى كلما علّقنا أهمية حاسمة على الأعداد الضخمة والقيم الإحصائية..والقوة الخانقة للقطعان تظهر أمام أعيننا في هيئة أو أخرى كل يوم في الصحافة، والفرد يتقبل ضآلة شأنه كلياً حتى ليفقد كل أمل في إسماع صوته. المُثل العليا المهترئة: الحرية والمساواة والأخوة لا تسعفه أبداً، لأنه يستطيع أن يوجه هذا النداء فقط إلى جلاديه، الناطقين باسم القبيلة. إن مقاومة القبيلة المنظمة لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا إذا جاءت من قِبل إنسان منظم أيضاً في فرديته كتنظيم القبيلة نفسها."
- كارل يونغ
- الذات غير المكتشفة
- كارل يونغ
- الذات غير المكتشفة