كانت للعلاقة الدراماتيكية بين عزيز نيسين وامه أثرها الكبير في مخيلته منذ كان طفلاً و سطرت منهجه الفكري بخطوط حزينة أخذت شكل السخرية السوداء الناقمة على التخلف البغيض و النفاق المستشري في المجتمع التركي آنذاك.. لقد جاءت كتابات “عزيز نيسين” عن أمه بقدر عظيم من التبجيل و الحب الذي وصل إلى درجة عالية من القدسية يتجلى ذلك من خلال منحها هالة ملائكية جميلة, فقد كانت هذه الهالة الملائكية المحفز القوي له في معترك كفاحه الطويل ضد قوى الظلام و الجهل و التخلف. ما بين المساحة الملائكية المقدسة التي أحاطها بها و ما بين قلة الحيلة و جلد الذات لتقصيره بحقها حيث الوقت الذي لم يسعفه كما ينبغي لكي يمنحها حقها كما يجب في زمن كانت المرأة فيه لا شيء سوى وعاء إنجاب.. ويبدو جلياً حجم جلد الذات و الشعور بأن والدته ضحية مجتمع أهان كينونتها و إنسانيتها عندما قال نيسين: ( اعتدت تخيل أمي البالغة من العمر الثامنة عشر عاماً فقط وهي تطرز و لكن ليس بالخيوط الملونة، بل كانت تطرز بدموعها والنور المشع من عينيها. لكم تمنيت لو أعطي مقابل كل قطعة واحدة من تلك القطع التي طرزتها يدا أمي, كل كتبي وكل ما سأكتبه)
لقد تجلى وضع “عزيز نيسين” أمه في الإطار الملائكي في سرده عن حادثة الزهور، حيث يقول: ( لم تكن أمي تستطيع القراءة ولا الكتابة. إلا أنها كانت سيدة غاية في رقة المشاعر والإحساس. إن كل الأمهات هن أفضل نساء العالم.
وأمي، لأنها أمي، كانت أفضل امرأة في العالم في إحدى المرات، قطفت زهوراً من الحديقة وأحضرتهم لها. كانت سعيدة بتلك الزهور. قالت لي: ” تعال، دعنا نقطف المزيد”. ذهبنا إلى الحديقة.. أشرت إلى بعض الزهور. قالت لي:” أنظر، الى جمال الزهور، إن تلك الزهور تعيش كما نعيش نحن أيضاً. إذا قطفناها تموت. إنها ستكون أجمل وهي هكذا واقفة على ساقها. ولن يبدو عليها الجمال وهي في كوبٍ زجاجي. كلما مررنا بكل زهرة كانت تخبرني:” أقتلها ، أقطفها لو أردت ذلك “. كل ما تعلمته وما من شيء جيدٍ أعرفه، الا وأعزوه إلى أمي ...)
لقد جسد عزيز القهر والحرمان الذي كانت تعانيه امه وكل النساء في تركيا في ذلك الوقت بهذه القصيدة النادرة:
أنت الأجمل من بين كل الأمهات..
أنت الأجمل من بين أجمل الأمهات..
في الثالثة عشر كان زواجك
في الخامسة عشر كانت أمومتك..
في السادسة والعشرين جاءت منيتك..
هكذا قبل أن تعيشي
كم أدين إليك بهذا القلب المليء بالحب
فأنا لا أملك حتى صورتك
كانت خطيئة أن تكون لكِ صورةً فوتوغرافية
لم تشاهدي الأفلام ولا المسرحيات
ولم تشهدي الكهرباء ولا الغاز ولا الموقد الكهربائي
ولم توجد أغراض البيت ومستلزماته لديك
لم تسبحي في البحر يوماً
لم تستطيعي القراءة ولا الكتابة
ولكن من وراء حجابٍ أسود
كانت عيناك الجميلتان تنظران إلى العالم.
أتتك المنية وأنتي في السادسة والعشرين، قبل أن تعيشي
من هنا أقول: لن تموت الأمهات قبل أن يعشن
هذا ما كان عليه الأمر أما الآن فهذا ما يصير إليه الأمر
لقد تجلى وضع “عزيز نيسين” أمه في الإطار الملائكي في سرده عن حادثة الزهور، حيث يقول: ( لم تكن أمي تستطيع القراءة ولا الكتابة. إلا أنها كانت سيدة غاية في رقة المشاعر والإحساس. إن كل الأمهات هن أفضل نساء العالم.
وأمي، لأنها أمي، كانت أفضل امرأة في العالم في إحدى المرات، قطفت زهوراً من الحديقة وأحضرتهم لها. كانت سعيدة بتلك الزهور. قالت لي: ” تعال، دعنا نقطف المزيد”. ذهبنا إلى الحديقة.. أشرت إلى بعض الزهور. قالت لي:” أنظر، الى جمال الزهور، إن تلك الزهور تعيش كما نعيش نحن أيضاً. إذا قطفناها تموت. إنها ستكون أجمل وهي هكذا واقفة على ساقها. ولن يبدو عليها الجمال وهي في كوبٍ زجاجي. كلما مررنا بكل زهرة كانت تخبرني:” أقتلها ، أقطفها لو أردت ذلك “. كل ما تعلمته وما من شيء جيدٍ أعرفه، الا وأعزوه إلى أمي ...)
لقد جسد عزيز القهر والحرمان الذي كانت تعانيه امه وكل النساء في تركيا في ذلك الوقت بهذه القصيدة النادرة:
أنت الأجمل من بين كل الأمهات..
أنت الأجمل من بين أجمل الأمهات..
في الثالثة عشر كان زواجك
في الخامسة عشر كانت أمومتك..
في السادسة والعشرين جاءت منيتك..
هكذا قبل أن تعيشي
كم أدين إليك بهذا القلب المليء بالحب
فأنا لا أملك حتى صورتك
كانت خطيئة أن تكون لكِ صورةً فوتوغرافية
لم تشاهدي الأفلام ولا المسرحيات
ولم تشهدي الكهرباء ولا الغاز ولا الموقد الكهربائي
ولم توجد أغراض البيت ومستلزماته لديك
لم تسبحي في البحر يوماً
لم تستطيعي القراءة ولا الكتابة
ولكن من وراء حجابٍ أسود
كانت عيناك الجميلتان تنظران إلى العالم.
أتتك المنية وأنتي في السادسة والعشرين، قبل أن تعيشي
من هنا أقول: لن تموت الأمهات قبل أن يعشن
هذا ما كان عليه الأمر أما الآن فهذا ما يصير إليه الأمر