لنُحوِّل بيئتنا السياسية من السلبية إلى الإيجابية
في العام الماضي (في 5 أغسطس/ آب 2010) حوصر 33 عاملاً من عمال المناجم في تشيلي في كهف داخل منجم للنحاس والذهب (عمره أكثر من 120 عاماً) وذلك في عمق صحراء جافة تعتبر واحدة من أقسى المناطق على وجه الأرض (شمال تشيلي في أميركا الجنوبية)، وبدا أن عمال المنجم يقبعون في قبر وينتظرون الموت المحتم تحت الأرض بعمق 700 متر، وعلى مسافة نحو 5 كيلومترات من مدخل المنجم.
ما حدث لاحقاً، وعلى مدى 69 يوماً يُعتبر واحداً من القصص الدرامية التي لا تتكرر على مر التاريخ، إذ شاهد العالم كيف تضامنت الجهود عبر تجلّي روح وطنية جماعية، وعبر استعمال أفضل العقول لصوغ وتنفيذ خطة الإنقاذ (عبر كبسولة «فينيكس» التي أدخلت بعد استخدام مثقاب لتسهيل عملية الإنقاذ)، ومن ثم تحولت تلك القصة المأساوية إلى قصة تبعث على الفخر والاعتزاز الوطني والعالمي.
قبل تلك الحادثة المأساوية بستة أشهر كان الشعب التشيلي قد خرج للتوّ من زلزال مدمر وتسونامي؛ ما أدى إلى شعور بالقلق الشديد من دخولهم في محنة بعد أخرى، ولكن سرعان ما تحولت تلك البيئة الحزينة إلى موجة من الحماس والإبداع والتعاون والتضامن الجماعي وتم إنقاذ جميع عمال المنجم. هذه القصة الدرامية تعتبر إحدى أهم قصص الانتصار الإنساني على اليأس، وكيف يتم تحويل البيئة السلبية إلى أخرى تمتلئ بالإيجابية والتفاؤل والنجاح.
ونحن في البحرين يمكننا أن نُحوِّل البيئة التي نمر بها إلى أجواء أخرى مختلفة تماماً عمَّا مررنا ونمر به، ويمكننا أن نعيد اسم البحرين بصورة مشرقة عندما نواجه ما حدث بشجاعة، ونستطيع تنشيط التفكير الإبداعي الذي يجمع البحرين على أهداف سامية، ويمكننا تفحص مواقع الخلل، ونعالج الجراح، وننطلق إلى الأمام من خلال علاجات تصل إلى جذور الأزمة. ولعل إحدى النتائج التي توصل إليها الكثير من البحرينيين في مختلف المواقع، هي أن الحل الأمني لن يحقق الأهداف التي نأملها لبلادنا؛ فتحقيق الأمن يتطلب إرساء أسس الاستقرار السياسي المعتمد على لمِّ الشمل وإشراك الجميع في عملية الحل السياسي التوافقي. كما أن الحلول السياسية التوافقية تتطلب بالضرورة الخروج عن النصوص التنظيرية، لأنها تحتاج إلى تنازلات، على أن تكون تلك التنازلات معقولة، وأن تفسح المجال لتطوير العملية السياسية باستمرار نحو الأحسن.
ومن القناعات التي ينبغي للجميع التوصل إليها هي أن البحرين لجميع مكونات المجتمع، وأن هذا يتطلب التوقف عن التشكيك والتحشيد؛ لأن كل ذلك لم ينفع في شيء، ولن ينفع أحداً في إقصاء أو القضاء على فئة من الفئات. إن البحرين لأهلها، سنة وشيعة وكل من تعايش مع هاتين الطائفتين الكريمتين وخدم البحرين، والحكم في البحرين اعتمد على الطائفتين في كل مراحله التاريخية، وهذا الاعتماد قام على التواصل والتفاهم. وفي كل المراحل التي مرت بها البحرين، فإن الحركات المطلبية والاختلافات في وجهات النظر لم تتحول إلى شطر المجتمع إلى قسمين، ونحن بحاجة إلى تأكيد أن البحرينيين سيبقون لبعضهم البعض، وأن خروجهم من هذه الأزمة ممكن جداً، ويمكن أن نُحوِّل البيئة السلبية إلى بيئة إيجابية، تماماً كما فعل التشيليون العام الماضي
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3259 - الأربعاء 10 أغسطس 2011م الموافق 10 رمضان 1432هـ
في العام الماضي (في 5 أغسطس/ آب 2010) حوصر 33 عاملاً من عمال المناجم في تشيلي في كهف داخل منجم للنحاس والذهب (عمره أكثر من 120 عاماً) وذلك في عمق صحراء جافة تعتبر واحدة من أقسى المناطق على وجه الأرض (شمال تشيلي في أميركا الجنوبية)، وبدا أن عمال المنجم يقبعون في قبر وينتظرون الموت المحتم تحت الأرض بعمق 700 متر، وعلى مسافة نحو 5 كيلومترات من مدخل المنجم.
ما حدث لاحقاً، وعلى مدى 69 يوماً يُعتبر واحداً من القصص الدرامية التي لا تتكرر على مر التاريخ، إذ شاهد العالم كيف تضامنت الجهود عبر تجلّي روح وطنية جماعية، وعبر استعمال أفضل العقول لصوغ وتنفيذ خطة الإنقاذ (عبر كبسولة «فينيكس» التي أدخلت بعد استخدام مثقاب لتسهيل عملية الإنقاذ)، ومن ثم تحولت تلك القصة المأساوية إلى قصة تبعث على الفخر والاعتزاز الوطني والعالمي.
قبل تلك الحادثة المأساوية بستة أشهر كان الشعب التشيلي قد خرج للتوّ من زلزال مدمر وتسونامي؛ ما أدى إلى شعور بالقلق الشديد من دخولهم في محنة بعد أخرى، ولكن سرعان ما تحولت تلك البيئة الحزينة إلى موجة من الحماس والإبداع والتعاون والتضامن الجماعي وتم إنقاذ جميع عمال المنجم. هذه القصة الدرامية تعتبر إحدى أهم قصص الانتصار الإنساني على اليأس، وكيف يتم تحويل البيئة السلبية إلى أخرى تمتلئ بالإيجابية والتفاؤل والنجاح.
ونحن في البحرين يمكننا أن نُحوِّل البيئة التي نمر بها إلى أجواء أخرى مختلفة تماماً عمَّا مررنا ونمر به، ويمكننا أن نعيد اسم البحرين بصورة مشرقة عندما نواجه ما حدث بشجاعة، ونستطيع تنشيط التفكير الإبداعي الذي يجمع البحرين على أهداف سامية، ويمكننا تفحص مواقع الخلل، ونعالج الجراح، وننطلق إلى الأمام من خلال علاجات تصل إلى جذور الأزمة. ولعل إحدى النتائج التي توصل إليها الكثير من البحرينيين في مختلف المواقع، هي أن الحل الأمني لن يحقق الأهداف التي نأملها لبلادنا؛ فتحقيق الأمن يتطلب إرساء أسس الاستقرار السياسي المعتمد على لمِّ الشمل وإشراك الجميع في عملية الحل السياسي التوافقي. كما أن الحلول السياسية التوافقية تتطلب بالضرورة الخروج عن النصوص التنظيرية، لأنها تحتاج إلى تنازلات، على أن تكون تلك التنازلات معقولة، وأن تفسح المجال لتطوير العملية السياسية باستمرار نحو الأحسن.
ومن القناعات التي ينبغي للجميع التوصل إليها هي أن البحرين لجميع مكونات المجتمع، وأن هذا يتطلب التوقف عن التشكيك والتحشيد؛ لأن كل ذلك لم ينفع في شيء، ولن ينفع أحداً في إقصاء أو القضاء على فئة من الفئات. إن البحرين لأهلها، سنة وشيعة وكل من تعايش مع هاتين الطائفتين الكريمتين وخدم البحرين، والحكم في البحرين اعتمد على الطائفتين في كل مراحله التاريخية، وهذا الاعتماد قام على التواصل والتفاهم. وفي كل المراحل التي مرت بها البحرين، فإن الحركات المطلبية والاختلافات في وجهات النظر لم تتحول إلى شطر المجتمع إلى قسمين، ونحن بحاجة إلى تأكيد أن البحرينيين سيبقون لبعضهم البعض، وأن خروجهم من هذه الأزمة ممكن جداً، ويمكن أن نُحوِّل البيئة السلبية إلى بيئة إيجابية، تماماً كما فعل التشيليون العام الماضي
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3259 - الأربعاء 10 أغسطس 2011م الموافق 10 رمضان 1432هـ