جعفر عبد الكريم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حركة جعفر الخابوري الا سلا ميه


    معذرةً للحسين

    جعفر الخابوري
    جعفر الخابوري
    مراقب عام
    مراقب عام


    عدد المساهمات : 475
    تاريخ التسجيل : 11/10/2009
    العمر : 54

    معذرةً للحسين Empty معذرةً للحسين

    مُساهمة  جعفر الخابوري الجمعة ديسمبر 17, 2010 8:58 pm

    معذرةً للحسين
    مجتمعٌ ماتت فيه النخوة والحمية والمروءة والقيم، ولم يمض ِعلى نزول الرسالة الجديدة أكثر من نصف قرن.

    الكوفة، عاصمة الإمام التي عاشت أجمل تجارب العدل في الدنيا، تهتكت داخلياً وأصبحت مسبيةً في قصر الاستبداد. لقد أفلحت سياسة القمع في تحويل الحواضر الإسلامية الجديدة إلى جثثٍ هامدة، والصورة الكلية كانت تعبّر عن مأساة أمةٍ كاملةٍ تعيش حالةً من الخدر الطويل.

    لم تكن قضية الحسين (ع) مجرد رفضٍ لبيعة حاكمٍ طارئِ وجد نفسه بحكم الصدفة البيولوجية حاكماً للامبراطورية الجديدة التي ستحكم العالم، بل كانت تصحيحاً لمسارٍ تاريخي لأمةٍ قُدّر لها قيادة البشرية إلى طريق الحرية والانعتاق، فألفت نفسها أسيرةً لحاكمٍ غرٍّ خلوٍ من الأخلاق، مشغول يومُهُ بالملاهي والمعازف وملاعبة القرود.

    انحدارٌ في المواقف والقيم، انتهى إلى أن تجثو الأمة على ركبها أمام الواقع الانقلابي الجديد، بعد عودة الأمويين الذين قاتلوا ربع قرنٍ ضد النبي محمد (ص)، لينزوا على منبره ويسيطروا على مقاليد الخلافة الاسلامية.

    كان حدثاً أقرب إلى اللامعقول، ليس بمقاييس هذا الزمان، بل حتى بمقياس ذاك الزمان، فكان المؤرّخ يلجأ إلى التغطية على هذه السوأة الحضارية الكبرى، فيضعك أمام كثرةٍ من الروايات التي تتحدّث عن انبعاث الدم تحت كل حجر وشجر، وعن اصطباغ الشفق باللون الأحمر، وعن بكاء السماء الذي لم يتوقف. فإذا لم تتحرّك ضمائر البشر، فلابد من أنسنة الشجر والحجر والمدر. كل الجمادات لم تتحمل فظاعة المجزرة، وتحملها الإنسان... إنه كان ظلوماً جهولا.

    وإلى جانب الروايات، هناك قصصٌ وحكاياتٌ تسجّل الاحتجاج الصامت وتنسبه إلى الأشباح أو الجن، فمادامت الألسن قد قُطعت، فلابأس من خروج يدٍ من أحد الحيطان، في أحد البلدان، لتكتب بيتاً احتجاجياً في الهواء ضد يزيد وزبانيته:

    أيها القاتلون ظلماً حسيناً

    ابشروا بالعذاب والتنكيل.

    لم يكن الشاعر يجرؤ على الكتابة باسمه الصريح، فيتوارى خجلاً أو خوفاً وراء الحيطان، أو ينسبه الراوي إلى مولىً سمع صوتاً في الليل ينشد بيتاً آخر في الظلام، فالنهار ليس ظرفاً آمناً لإلقاء بيت وحيد. لقد بلغ القمع ذروته فخرست الألسن عن معارضة سلطةٍ غير شرعية، فُرضت على المسلمين بالقوة والقهر والترهيب.

    إنها أمةٌ تخلّت عن دورها وكرامتها واحترامها لذاتها وصيانة دينها عن العبث والتحريف، ورضيت بالتفريط في مواريث الرسالة، فوصلت إلى هذا المستوى من الموات. فأحد قادة الجيش الذي فتح العراق، خلّف ابناً يطمع بملك الريّ، ومستعدٌ لبلوغ هذا الهدف أن يقتل حفيد محمد (ص) ويرضّ جسده ويكسر أضلاعه بحوافر خيّالته، بعد أن يشهدوا له عند الأمير بأنه أول من رمى سهماً باتجاه خيام الحسين.

    إنها جثة أمةٍ بلا حراك. أعلى ما صدر منها أن نسمع صوت أحد الصحابة الباقين على قيد الحياة، في مجلس ابن زياد بالكوفة يحتج احتجاجاً ناعماً على نكثه ثنايا الحسين (ع) بمخصرته، بقوله: «انني لم أر أجمل من هذا الثغر»! ويتكرّر المشهد نفسه في قصر يزيد بالشام، فيحتج آخر بكلام ناعم خجول. ولم يسأل أحدٌ لماذا أصبح هذا الصحابي جليساً لابن زياد؟ وكيف أصبح الآخر من رواد قصر يزيد؟ وكيف أصبح يزيدٌ بينهم ملكاً؟

    أمةٌ تركت أطناناً من شعر الغزل العذري والماجن، منتصف القرن الهجري الأول، بعدما أصبح الشعراء المتهتكون نجوماً، ولم تترك لنا غير أبياتٍ متفرقةٍ في الاحتجاج على قتل الحسين، جبن عن التصريح بها أصحابها فنسبوها إلى الجن أو الأشباح. وصدق سليمان بن قتة حين قال:

    وإن قتيلَ الطفِّ من آل هاشمٍ.... أذلّ رقابَ المسلمين فذّلتِ.




    قاسم حسين
    صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3025 - السبت 18 ديسمبر 2010م الموافق 12 محرم 1432هـ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:53 am