حقائق ودلالات الاجتياح الصهيوني لمقر المقاطعة في أريحا
اقتيد الأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات، وعشرات من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني من سجن المقاطعة الخاضع للسلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح"، إلى سجون الاحتلال الصهيوني يوم الثلاثاء في الخامس عشر من هذا الشهر، لينضموا إلى إخوانهم الأسرى في مسيرة التضحية والتحرير، بعد أن أمضوا نحو ثلاثة أعوام من الاعتقال تحت حراسة أجهزة الأمن الفلسطينية، وبرقابة بريطانيةـ أمريكية مشتركة.
لقد تم الاعتقال تحت نظر وسمع العالم الذي كان يتابع على الهواء مباشرة اقتحام دبابات الاحتلال وطائراته لسجن المقاطعة وتدميره ابتداءًً من الساعة التاسعة وخمس وعشرون دقيقة صباحاً، أي بعد مغادرة المراقبين البريطانيين والأمريكيين بخمس دقائق فقط، في إشارة واضحة على التنسيق والتدبير المسبق بين الاحتلال وهؤلاء المراقبين المشاركين في هذا السيناريو الذي خطط له قبل الحدث بأكثر من أسبوع، وصودق عليه من أعلى المستويات الأمنية والسياسية في الكيان المحتل.
هذا المشهد الدرامي المشبع بالألم والغضب الفلسطيني، جاء معبراً عن الأيديولوجية الصهيونية تجاه "الأغيار"، وعاكساً لطبيعة العقلية والسلوك الصهيوني الذي اعتاد عليه الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين.
ولكن رغم اعتياد الشعب الفسلطيني على غدر الصهاينة وساديتهم، إلا أن الحدث هذه المرة جاء مختلفاً من حيث الإخراج، فقد شارك الاحتلالَِ أطرافٌ دولية كانت وما زالت تسوق نفسها في المنطقة على أنها محايدة! وأنها وسيط وداع للسلام، وداعم للديمقراطية في المنطقة!
وبعيداً عن مناقشة مدى صدق هؤلاء أو نفاقهم، فإن الحدث بحد ذاته يحمل دلالات وحقائق بعيدة المدى، عميقة الأثر وفي توقيت غاية في الأهمية فلسطينياً بالدرجة الأولى. فالحدث وقع بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية، وأثناء قيامها بالمشاورات السياسية مع كل الأطراف الفلسطينية ـ بما فيها الجبهة الشعبية ـ لتشكيل الحكومة، وقبل بدء الانتخابات البرلمانية في الكيان المحتل، الأمر الذي يعني تداخل العديد من العوامل والحقائق على أرض فلسطين، والتي اراد الاحتلال بقيادة ايهود أولمرت وحزب "كديما" أن يوطفها لتحقيق مجموعة من الأهداف منها:
معاقبة الشعب الفلسطيني ومناضليه وقواه المختلفة على انحيازها لخيار المقاومة وانتخابها لحركة "حماس". فالمشهد في سجن المقاطعة في أريحا قصد منه الاحتلال بعث الألم في نفوس الفلسطينيين الذين تابعوا الحدث مباشرة، ومحاولة تحطيم صور ورموز الصمود والمقاومة، وهذه المرة من خلال اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات ورفاقه، وسط صمت دولي وعربي غريب ومستهجن، وتواطؤ بريطاني وأمريكي مفضوح، وهما الدولتان اللتان دأبتا على تهديد الشعب الفلسطيني بالحرمان من المساعدات الدولية وإنذاره بالجوع لاختياره حركة "حماس" وانحيازه لبرنامج المقاومة.
بعث رسالة إلى حركة "حماس" مفادها، أن الاحتلال هو سيد الموقف، حتى لو تغيرت القيادة الفلسطينية، وعلى الجميع أن يقبل بهذه المعادلة بحكم القوة وسياسة الأمر الواقع التي درج الاحتلال عليها منذ نشوء الكيان الصهيوني.
محاولة خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية، عبر استدراج ردود أفعال فلسطينية، يليها ردود أفعال صهيونية عنيفة لإرباك الوضع الفلسطيني الداخل الذي يتهيأ لإنجاز حكومته الجديدة بقيادة حركة "حماس"، والتشويش على هذا الاستحقاق الانتخابي، ودفع الجميع إلى التخبط والتجاذب السياسي الداخلي، في الوقت الذي تحتاج فيه الساحة الفلسطينية إلى التنسيق والعمل المشترك في هذه اللحظة المفصلية من عمر القضية.
أراد الاحتلال الامساك بالأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات، وكذلك السيد فؤاد الشوبكي (حركة فتح) لـ "محاكمتهم" في المحاكم الصهيونية، وإبقائهم رهن الاعتقال داخل سجون الاحتلال، معاقبة للأول على اغتيال الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي (وزير السياحة الصهيوني)، ومعاقبة الثاني لاتهامه بضلوعه بتمويل سفينة الأسلحة "كارين ايه"، وبالتالي تفويت أي فرصة لإطلاق سراحهم، بعد تشكيل حركة "حماس" للحكومة واستلامها زمام السلطة التنفيذية، سيما وأن الحركة كانت وما زالت ترفض بشدة الاعتقال السياسي واعتقال المقاومين من أبناء شعبنا، وتطالب السلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح" إلى إطلاق سراحهم.
تعزيز مركز حزب كديما بقيادة ايهود اولمرت على أبواب الانتخابات الصهيونية التي ستجري في الثامن والعشرين من هذا الشهر، وإظهاره حزباً قوياً قادراً على النيل من الفلسطينيين والعرب بشتى الوسائل، استجابة لنفسية الناخب الصهيوني الذي لا يطمئن إلا لمن يداه ملطختان بالدم العربي والفلسطيني بأكبر قدر ممكن، وإشباعاً لغريزة القتل التي تدرج عليها الصهاينة، وأسسوا عليها كيانهم منذ مطلع القرن الماضي.
إن هذا الحدث بتوقيته وكيفية إخراجه بشراكة وتواطؤ أمريكي ـ بريطاني علاوة على ما ساقه من أهداف وغايات سعى إليها الاحتلال بقيادة ايهود أولمرت (حزب كديما)، ليحمل في طياته دلالات تلقي بظلالها على الساحة الفلسطينية التي شهدت تقدم برنامج المقاومة وصعود حركة "حماس" بعد انسداد أفق التسوية، وتترقب عزم الاحتلال بقيادة "كديما" استكمال مراحل خطة الانفصال أحادي الجانب التي بدأها شارون.
حقائق ودلالات الحدث:
يسوق الحدث مجموعة من الدلالات والاستنتاجات وثيقة الصلة بالساحة الفلسطينية منها:
أن الاحتلال الصهيوني غير مهيأ ولا مستعد للتفاوض أو السلام أو الالتزام بما اتفق عليه مع الفلسطينيين. فاقتحام سجن أريحا بهذه الهمجية والوحشية هو استمرار لنهج صهيوني دأب على التنصل من التزاماته مع السلطة الفلسطينية بدءً من اتفاق أوسلو (1993)، واتفاق الخليل (1997)، واتفاق واي ريفر (1998)، وحتى من خارطة الطريق الأمنية في جوهرها. فأين الالتزام بالوصول إلى حل للقضايا الأساسية المعلقة مثل القدس، واللاجئين، والدولة قبل نهاية عام 1998 حسب أوسلو؟، وأين الالتزام بعدم إحداث تغييرات على الأرض من طرف واحد والاستيطان كالسرطان ينهش الأرض؟! والجدار العنصري يصادر ويهدم ويعزل المدن والقرى؟َ! وما هو مصير مدن الضفة الغربية التي من المفترض أن تكون تحت السلطة الفلسطينيين الكاملة، وهي الآن ترزح تحت الاحتلال المباشر منذ عملية السور الواقي؟..
أن مطالبة أطراف فلسطينية وعربية ودولية لحركة "حماس" الالتزام بالاتفاقات السياسية الموقعة مع الاحتلال إنما هو عبث سياسي من الدرجة الأولى، واستخفافاً بالشعب الفلسطيني الذي انحاز لخيار المقاومة. فكيف لحركة "حماس" الالتزام بذلك والاحتلال سابقاً وحالياً يضرب بهذه الاتفاقيات عرض الحائط كما يرفض تقديم أي استحقاق نصت عليه هذه الاتفاقيات؟! على تلك الأطراف أن تعيد حساباتها لأن الواقع الفلسطيني لم يعد يحتمل هذا التسطيح والتبسيط، وما عاد يؤمن بالتقديمات المجانية خاصة بعد هذه التجربة المريرة مع الاحتلال خلال الـ 15 سنة الماضية. وبالتالي الاحتلال هو المطالب وقبل أي شيء أن يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الضحية وليس العكس.
الاستنتاج الآخر، يؤكد أن ادعاء السلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح"، بأن سجن المناضلين والقادة الفلسطينيين في سجون السلطة هو لحمايتهم، إنما ادعاء واهم ومحض افتراء. فها هو المشهد في أريحا يدحض ويفضح زيف تلك المواقف ويكشف بواطن الأمور. خاصة وأن ما جرى في سجن المقاطعة هو تكرار لما حدث في سجن مقر الأمن الوقائي في بيتونيا في الضفة الغربية عندما اقتحمه الاحتلال عام 2002 أثناء حملة السور الواقي الشارونية، وقد كان يضم بين جدرانه قادة من حركة "حماس"، رفض القائمون على السجن إطلاق سراحهم حينذاك بدعوى تطبيق القانون، وحرصاً على المقاومين الفلسطينيين من الاحتلال!
إن مشهد الشرطة الفلسطينية الحامية لسجن ومقر المقاطعة وهم يرفعون الأيدي مجردين من ملابسهم بعد أن ألقوا سلاحهم أمام جنود الاحتلال، لأمر يدعوا الفلسطينيين وحكومة حركة "حماس" إلى إعادة النظر في دور الشرطة ورجال الأمن، وضرورة إعادة النظر في السياسات والتوجيهات والمهام الملقاة على عاتق تلك الأجهزة التي من المفترض أن تكون حامية للفلسطينيين ومؤسساتهم من اعتداءات الاحتلال ومن عملائهم في الداخل.
مشاركة البريطانيين والأمريكان في سيناريو أريحا قد ألقى بظلال من الشك والريبة على الدور الأوروبي والأمريكي الذي من المفترض أن يكون "حيادياً" ومراقباً للاتفاقات السياسية الموقعة، أما أن يشاركوا الاحتلال في نقض تلك الاتفاقيات على حساب الفلسطينيين فهذا مبعث قلق وقدح في مصداقية هؤلاء. الأمر الذي يملي على الفلسطينيين إعادة النظر في آلية التعاطي السياسي مع هذه الأطراف، وعدم الاستجابة لضغوطهم، ورفض الابتزاز السياسي والمالي الذي يمارسونه على حساب الحقوق والثوابت الفلسطينية، وإن ارتدى لباس الواقعية التي يروج لها البعض.
أمام هذا الواقع الذي يتنصل فيه الاحتلال من كل التزام تمهيداً لاستكمال خطة الانفصال احادية الجانب الهادفة للحفاظ على الطابع الديمغرافي اليهودي لدولة الاحتلال، وإلى خنق الشعب الفلسطيني في معازل تتمتع بسلطات محدودة ـ وإن سميت دولة ـ تحت السيادة الصهيونية ورحمتها. وأمام الشراكة البريطانية ـ الأمريكية للكيان الصهيوني أصبح لزاماً على الشعب الفلسطيني بكل قواه أن يعيد النظر في الاستراتيجية القديمة المؤسسة على الاعتراف بالاحتلال، والالتزام بالاتفاقيات السياسية من طرف واحد، بعد أن ثبت فشلها وعدم واقعيتها وعدم توفيرها الحد الأدنى من الحقوق والكرامة الوطنية للفلسطينيين.
من هنا لا بد أن يتنادى كافة الطيف الفلسطيني للالتقاء والبحث في استراتيجية جديدة واقعية قادرة على حفظ الحق الفلسطيني والمطالبة به انطلاقاً مما اتفق عليه في القاهرة في آذار/ مارس 2005 من إعادة النظر في بناء م. ت. ف على أسس ديمقراطية وعلى قاعدة الثوابت الوطنية الفلسطينية وبالتالي صياغة رؤية فلسطينية جديدة، خاصة وأن الشعب الفلسطيني الآن يتعرض للحصار والعقاب على خياره الديمقراطي الذي صوت له لصالح المقاومة وبرنامجها، بعد أن نجحت في دحر الاحتلال عن قطاع غزة.
اقتيد الأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات، وعشرات من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني من سجن المقاطعة الخاضع للسلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح"، إلى سجون الاحتلال الصهيوني يوم الثلاثاء في الخامس عشر من هذا الشهر، لينضموا إلى إخوانهم الأسرى في مسيرة التضحية والتحرير، بعد أن أمضوا نحو ثلاثة أعوام من الاعتقال تحت حراسة أجهزة الأمن الفلسطينية، وبرقابة بريطانيةـ أمريكية مشتركة.
لقد تم الاعتقال تحت نظر وسمع العالم الذي كان يتابع على الهواء مباشرة اقتحام دبابات الاحتلال وطائراته لسجن المقاطعة وتدميره ابتداءًً من الساعة التاسعة وخمس وعشرون دقيقة صباحاً، أي بعد مغادرة المراقبين البريطانيين والأمريكيين بخمس دقائق فقط، في إشارة واضحة على التنسيق والتدبير المسبق بين الاحتلال وهؤلاء المراقبين المشاركين في هذا السيناريو الذي خطط له قبل الحدث بأكثر من أسبوع، وصودق عليه من أعلى المستويات الأمنية والسياسية في الكيان المحتل.
هذا المشهد الدرامي المشبع بالألم والغضب الفلسطيني، جاء معبراً عن الأيديولوجية الصهيونية تجاه "الأغيار"، وعاكساً لطبيعة العقلية والسلوك الصهيوني الذي اعتاد عليه الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين.
ولكن رغم اعتياد الشعب الفسلطيني على غدر الصهاينة وساديتهم، إلا أن الحدث هذه المرة جاء مختلفاً من حيث الإخراج، فقد شارك الاحتلالَِ أطرافٌ دولية كانت وما زالت تسوق نفسها في المنطقة على أنها محايدة! وأنها وسيط وداع للسلام، وداعم للديمقراطية في المنطقة!
وبعيداً عن مناقشة مدى صدق هؤلاء أو نفاقهم، فإن الحدث بحد ذاته يحمل دلالات وحقائق بعيدة المدى، عميقة الأثر وفي توقيت غاية في الأهمية فلسطينياً بالدرجة الأولى. فالحدث وقع بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية، وأثناء قيامها بالمشاورات السياسية مع كل الأطراف الفلسطينية ـ بما فيها الجبهة الشعبية ـ لتشكيل الحكومة، وقبل بدء الانتخابات البرلمانية في الكيان المحتل، الأمر الذي يعني تداخل العديد من العوامل والحقائق على أرض فلسطين، والتي اراد الاحتلال بقيادة ايهود أولمرت وحزب "كديما" أن يوطفها لتحقيق مجموعة من الأهداف منها:
معاقبة الشعب الفلسطيني ومناضليه وقواه المختلفة على انحيازها لخيار المقاومة وانتخابها لحركة "حماس". فالمشهد في سجن المقاطعة في أريحا قصد منه الاحتلال بعث الألم في نفوس الفلسطينيين الذين تابعوا الحدث مباشرة، ومحاولة تحطيم صور ورموز الصمود والمقاومة، وهذه المرة من خلال اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات ورفاقه، وسط صمت دولي وعربي غريب ومستهجن، وتواطؤ بريطاني وأمريكي مفضوح، وهما الدولتان اللتان دأبتا على تهديد الشعب الفلسطيني بالحرمان من المساعدات الدولية وإنذاره بالجوع لاختياره حركة "حماس" وانحيازه لبرنامج المقاومة.
بعث رسالة إلى حركة "حماس" مفادها، أن الاحتلال هو سيد الموقف، حتى لو تغيرت القيادة الفلسطينية، وعلى الجميع أن يقبل بهذه المعادلة بحكم القوة وسياسة الأمر الواقع التي درج الاحتلال عليها منذ نشوء الكيان الصهيوني.
محاولة خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية، عبر استدراج ردود أفعال فلسطينية، يليها ردود أفعال صهيونية عنيفة لإرباك الوضع الفلسطيني الداخل الذي يتهيأ لإنجاز حكومته الجديدة بقيادة حركة "حماس"، والتشويش على هذا الاستحقاق الانتخابي، ودفع الجميع إلى التخبط والتجاذب السياسي الداخلي، في الوقت الذي تحتاج فيه الساحة الفلسطينية إلى التنسيق والعمل المشترك في هذه اللحظة المفصلية من عمر القضية.
أراد الاحتلال الامساك بالأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات، وكذلك السيد فؤاد الشوبكي (حركة فتح) لـ "محاكمتهم" في المحاكم الصهيونية، وإبقائهم رهن الاعتقال داخل سجون الاحتلال، معاقبة للأول على اغتيال الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي (وزير السياحة الصهيوني)، ومعاقبة الثاني لاتهامه بضلوعه بتمويل سفينة الأسلحة "كارين ايه"، وبالتالي تفويت أي فرصة لإطلاق سراحهم، بعد تشكيل حركة "حماس" للحكومة واستلامها زمام السلطة التنفيذية، سيما وأن الحركة كانت وما زالت ترفض بشدة الاعتقال السياسي واعتقال المقاومين من أبناء شعبنا، وتطالب السلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح" إلى إطلاق سراحهم.
تعزيز مركز حزب كديما بقيادة ايهود اولمرت على أبواب الانتخابات الصهيونية التي ستجري في الثامن والعشرين من هذا الشهر، وإظهاره حزباً قوياً قادراً على النيل من الفلسطينيين والعرب بشتى الوسائل، استجابة لنفسية الناخب الصهيوني الذي لا يطمئن إلا لمن يداه ملطختان بالدم العربي والفلسطيني بأكبر قدر ممكن، وإشباعاً لغريزة القتل التي تدرج عليها الصهاينة، وأسسوا عليها كيانهم منذ مطلع القرن الماضي.
إن هذا الحدث بتوقيته وكيفية إخراجه بشراكة وتواطؤ أمريكي ـ بريطاني علاوة على ما ساقه من أهداف وغايات سعى إليها الاحتلال بقيادة ايهود أولمرت (حزب كديما)، ليحمل في طياته دلالات تلقي بظلالها على الساحة الفلسطينية التي شهدت تقدم برنامج المقاومة وصعود حركة "حماس" بعد انسداد أفق التسوية، وتترقب عزم الاحتلال بقيادة "كديما" استكمال مراحل خطة الانفصال أحادي الجانب التي بدأها شارون.
حقائق ودلالات الحدث:
يسوق الحدث مجموعة من الدلالات والاستنتاجات وثيقة الصلة بالساحة الفلسطينية منها:
أن الاحتلال الصهيوني غير مهيأ ولا مستعد للتفاوض أو السلام أو الالتزام بما اتفق عليه مع الفلسطينيين. فاقتحام سجن أريحا بهذه الهمجية والوحشية هو استمرار لنهج صهيوني دأب على التنصل من التزاماته مع السلطة الفلسطينية بدءً من اتفاق أوسلو (1993)، واتفاق الخليل (1997)، واتفاق واي ريفر (1998)، وحتى من خارطة الطريق الأمنية في جوهرها. فأين الالتزام بالوصول إلى حل للقضايا الأساسية المعلقة مثل القدس، واللاجئين، والدولة قبل نهاية عام 1998 حسب أوسلو؟، وأين الالتزام بعدم إحداث تغييرات على الأرض من طرف واحد والاستيطان كالسرطان ينهش الأرض؟! والجدار العنصري يصادر ويهدم ويعزل المدن والقرى؟َ! وما هو مصير مدن الضفة الغربية التي من المفترض أن تكون تحت السلطة الفلسطينيين الكاملة، وهي الآن ترزح تحت الاحتلال المباشر منذ عملية السور الواقي؟..
أن مطالبة أطراف فلسطينية وعربية ودولية لحركة "حماس" الالتزام بالاتفاقات السياسية الموقعة مع الاحتلال إنما هو عبث سياسي من الدرجة الأولى، واستخفافاً بالشعب الفلسطيني الذي انحاز لخيار المقاومة. فكيف لحركة "حماس" الالتزام بذلك والاحتلال سابقاً وحالياً يضرب بهذه الاتفاقيات عرض الحائط كما يرفض تقديم أي استحقاق نصت عليه هذه الاتفاقيات؟! على تلك الأطراف أن تعيد حساباتها لأن الواقع الفلسطيني لم يعد يحتمل هذا التسطيح والتبسيط، وما عاد يؤمن بالتقديمات المجانية خاصة بعد هذه التجربة المريرة مع الاحتلال خلال الـ 15 سنة الماضية. وبالتالي الاحتلال هو المطالب وقبل أي شيء أن يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الضحية وليس العكس.
الاستنتاج الآخر، يؤكد أن ادعاء السلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح"، بأن سجن المناضلين والقادة الفلسطينيين في سجون السلطة هو لحمايتهم، إنما ادعاء واهم ومحض افتراء. فها هو المشهد في أريحا يدحض ويفضح زيف تلك المواقف ويكشف بواطن الأمور. خاصة وأن ما جرى في سجن المقاطعة هو تكرار لما حدث في سجن مقر الأمن الوقائي في بيتونيا في الضفة الغربية عندما اقتحمه الاحتلال عام 2002 أثناء حملة السور الواقي الشارونية، وقد كان يضم بين جدرانه قادة من حركة "حماس"، رفض القائمون على السجن إطلاق سراحهم حينذاك بدعوى تطبيق القانون، وحرصاً على المقاومين الفلسطينيين من الاحتلال!
إن مشهد الشرطة الفلسطينية الحامية لسجن ومقر المقاطعة وهم يرفعون الأيدي مجردين من ملابسهم بعد أن ألقوا سلاحهم أمام جنود الاحتلال، لأمر يدعوا الفلسطينيين وحكومة حركة "حماس" إلى إعادة النظر في دور الشرطة ورجال الأمن، وضرورة إعادة النظر في السياسات والتوجيهات والمهام الملقاة على عاتق تلك الأجهزة التي من المفترض أن تكون حامية للفلسطينيين ومؤسساتهم من اعتداءات الاحتلال ومن عملائهم في الداخل.
مشاركة البريطانيين والأمريكان في سيناريو أريحا قد ألقى بظلال من الشك والريبة على الدور الأوروبي والأمريكي الذي من المفترض أن يكون "حيادياً" ومراقباً للاتفاقات السياسية الموقعة، أما أن يشاركوا الاحتلال في نقض تلك الاتفاقيات على حساب الفلسطينيين فهذا مبعث قلق وقدح في مصداقية هؤلاء. الأمر الذي يملي على الفلسطينيين إعادة النظر في آلية التعاطي السياسي مع هذه الأطراف، وعدم الاستجابة لضغوطهم، ورفض الابتزاز السياسي والمالي الذي يمارسونه على حساب الحقوق والثوابت الفلسطينية، وإن ارتدى لباس الواقعية التي يروج لها البعض.
أمام هذا الواقع الذي يتنصل فيه الاحتلال من كل التزام تمهيداً لاستكمال خطة الانفصال احادية الجانب الهادفة للحفاظ على الطابع الديمغرافي اليهودي لدولة الاحتلال، وإلى خنق الشعب الفلسطيني في معازل تتمتع بسلطات محدودة ـ وإن سميت دولة ـ تحت السيادة الصهيونية ورحمتها. وأمام الشراكة البريطانية ـ الأمريكية للكيان الصهيوني أصبح لزاماً على الشعب الفلسطيني بكل قواه أن يعيد النظر في الاستراتيجية القديمة المؤسسة على الاعتراف بالاحتلال، والالتزام بالاتفاقيات السياسية من طرف واحد، بعد أن ثبت فشلها وعدم واقعيتها وعدم توفيرها الحد الأدنى من الحقوق والكرامة الوطنية للفلسطينيين.
من هنا لا بد أن يتنادى كافة الطيف الفلسطيني للالتقاء والبحث في استراتيجية جديدة واقعية قادرة على حفظ الحق الفلسطيني والمطالبة به انطلاقاً مما اتفق عليه في القاهرة في آذار/ مارس 2005 من إعادة النظر في بناء م. ت. ف على أسس ديمقراطية وعلى قاعدة الثوابت الوطنية الفلسطينية وبالتالي صياغة رؤية فلسطينية جديدة، خاصة وأن الشعب الفلسطيني الآن يتعرض للحصار والعقاب على خياره الديمقراطي الذي صوت له لصالح المقاومة وبرنامجها، بعد أن نجحت في دحر الاحتلال عن قطاع غزة.