استراحة الخميس : العطاء المرضي ..
لميس ضيف
قارئات كثرٌ يطلبن من محدثتكم النصح والمشورة؛ شكاواهن تختلف في تفاصيلها ولكنها - في اللب- واحدة.. لهن - ولمثيلاتهن- أهدي استراحة اليوم ،،،
قبل أيام تعثرت بدراستين لافتتين ومعلومة مقلقه: تقول الدراسة الأولى إن من عانوا من الإهمال في طفولتهم لديهم ميول أكبر للأنانية وحب الذات ؛ ووجدت الدراسة أن العائلات الكبيرة - عددياً- غالبا ما تفرخ الأنانيين.. وفسر الباحثون ذلك بأن هؤلاء كانوا مضطرين غالبا للاهتمام بأنفسهم ومعالجة أزماتهم لوحدهم؛ أو للصراع حول شيء مادي -أو معنوي ما- كاهتمام الأم مثلاً.. بالنتاج ينشئ أغلب هؤلاء ملتفين حول ذواتهم ورغباتهم بأنانية - تتخذ منحنى مرضيا أحياناً- يؤثر على صحة علاقاتهم في المستقبل..
أما الدراسة الثانية فترى أن اللطف والعطاء بلا حدود قد يكون مؤشراً مرضياً أيضاً؛ فبعض الأشخاص لا يتحملون النقد لذا ينأون بأنفسهم عن دائرة النقد بالعطاء ببذخ؛ والبذل المتواصل غير المحكوم بسقف.. هؤلاء في تقديري يعانون - بدرجة ما- من ضعف الثقة بالنفس وتدني النظرة للذات؛ الأمر الذي يجعلهم يسلمون بالنقد الموجه لهم كواقع - وإن كان تجريحاً لا جذور له- لذا يتجنبونه بكل طريقة.. وغالبا ما يظن هؤلاء ؛ في وعيهم الباطن، أنهم لا يستحقون الاهتمام لذواتهم؛ بل لما يقدمونه للآخر لا أكثر..
المعلومة المقلقة جاءت في الدراسة أعلاه التي أكدت على أن الشخص المعطاء غالبا ما يجد نفسه منجذبا لأولئك الذين يتميزون بالأنانية وحب الذات.. وهو دال خطير؛ وتبرير منطقي للكم المهول للعلاقات غير الصحية وغير المتوازنة التي نراها حولنا؛ والتي عادةً ما تكون مخرجاتها؛ غير صحية مثلها تماما..!!
في مجتمعاتنا ، حيث التربية أمر عشوائي ينظر الناس له بخفة ويمارسونه بالسليقة ، نرى تلك العلل شديدة الحضور على الأرض.. فالأنانية المفرطة؛ والعطاء المرضي؛ والعلاقات المبنية على الاستغلال؛ أمور شديدة الشيوع في أوساطنا، تتوازى مع ظاهرة لافتة تُرصد في ذوي العطاء المرضي: فهم لا يعرفون كيف يطلبون المساعدة؛ بل ويجدون صعوبة في تلقيها من الآخرين..!!
الدائرة هنا مغلقة بشكل محكم.. فمن يعطون ببذخ يجهلون كيف يطلبون العطاء؛ وعادةً ما يعلمون الآخر، سواء أكان ابناً/ زوجاً/ صديقاً/ زميلا، أن الأخذ هو الأساس في علاقاتهم.. بالطبع تأثير ذلك في الطفولة أكبر؛ فالطفل الذي يُـنشأ على الأخذ - مادياً ومعنويا- لا يقبل بعلاقات يُطالب فيها بأن يعطي بقدر ما يأخذ؛ وهو ما يجعله - بالنتاج- شريكا فاشلا في كل أنواع العلاقات -إلا بالطبع- تلك التي يكون فيها الطرف الآخر مصاباً ‘’ بالعطاء المرضي’’ !! نسمع الكثيرات يرددن عبارة ‘’ لا نريد منهم إلا أن ينهضوا بأنفسهم’’ كشعار للتربية وهذا خطأ جسيم.. فوظيفة الأسرة الأساسية ، لا التنشئة وتوفير الماديات، بل تأهيل الأبناء للحياة الواقعية وبلورة شخصيات قادرة على الانخراط في علاقات صحية.. فأول -وأهم- مهارات الحياة هي أن يعرف المرء كيف يعيش وسط المجموعة؛ وكيف يوازن علاقاته مع الآخر فيتقاطع معه دون أن يسمح له بالتمدد على حسابه؛ واختطاف حياته وطمس معالمها.
------------------
رحيق الكلام:
نعم؛ من السيئ أن يتعود المرء على الأنانية والأخذ دون مقابل.. ولكن الأسوأ -مطلقا- أن يتعود على أن لا يأخذ.. ويألف دور الضحية فيجحد ذاته؛ ويتحول ضحية لنفسه..
لميس ضيف
قارئات كثرٌ يطلبن من محدثتكم النصح والمشورة؛ شكاواهن تختلف في تفاصيلها ولكنها - في اللب- واحدة.. لهن - ولمثيلاتهن- أهدي استراحة اليوم ،،،
قبل أيام تعثرت بدراستين لافتتين ومعلومة مقلقه: تقول الدراسة الأولى إن من عانوا من الإهمال في طفولتهم لديهم ميول أكبر للأنانية وحب الذات ؛ ووجدت الدراسة أن العائلات الكبيرة - عددياً- غالبا ما تفرخ الأنانيين.. وفسر الباحثون ذلك بأن هؤلاء كانوا مضطرين غالبا للاهتمام بأنفسهم ومعالجة أزماتهم لوحدهم؛ أو للصراع حول شيء مادي -أو معنوي ما- كاهتمام الأم مثلاً.. بالنتاج ينشئ أغلب هؤلاء ملتفين حول ذواتهم ورغباتهم بأنانية - تتخذ منحنى مرضيا أحياناً- يؤثر على صحة علاقاتهم في المستقبل..
أما الدراسة الثانية فترى أن اللطف والعطاء بلا حدود قد يكون مؤشراً مرضياً أيضاً؛ فبعض الأشخاص لا يتحملون النقد لذا ينأون بأنفسهم عن دائرة النقد بالعطاء ببذخ؛ والبذل المتواصل غير المحكوم بسقف.. هؤلاء في تقديري يعانون - بدرجة ما- من ضعف الثقة بالنفس وتدني النظرة للذات؛ الأمر الذي يجعلهم يسلمون بالنقد الموجه لهم كواقع - وإن كان تجريحاً لا جذور له- لذا يتجنبونه بكل طريقة.. وغالبا ما يظن هؤلاء ؛ في وعيهم الباطن، أنهم لا يستحقون الاهتمام لذواتهم؛ بل لما يقدمونه للآخر لا أكثر..
المعلومة المقلقة جاءت في الدراسة أعلاه التي أكدت على أن الشخص المعطاء غالبا ما يجد نفسه منجذبا لأولئك الذين يتميزون بالأنانية وحب الذات.. وهو دال خطير؛ وتبرير منطقي للكم المهول للعلاقات غير الصحية وغير المتوازنة التي نراها حولنا؛ والتي عادةً ما تكون مخرجاتها؛ غير صحية مثلها تماما..!!
في مجتمعاتنا ، حيث التربية أمر عشوائي ينظر الناس له بخفة ويمارسونه بالسليقة ، نرى تلك العلل شديدة الحضور على الأرض.. فالأنانية المفرطة؛ والعطاء المرضي؛ والعلاقات المبنية على الاستغلال؛ أمور شديدة الشيوع في أوساطنا، تتوازى مع ظاهرة لافتة تُرصد في ذوي العطاء المرضي: فهم لا يعرفون كيف يطلبون المساعدة؛ بل ويجدون صعوبة في تلقيها من الآخرين..!!
الدائرة هنا مغلقة بشكل محكم.. فمن يعطون ببذخ يجهلون كيف يطلبون العطاء؛ وعادةً ما يعلمون الآخر، سواء أكان ابناً/ زوجاً/ صديقاً/ زميلا، أن الأخذ هو الأساس في علاقاتهم.. بالطبع تأثير ذلك في الطفولة أكبر؛ فالطفل الذي يُـنشأ على الأخذ - مادياً ومعنويا- لا يقبل بعلاقات يُطالب فيها بأن يعطي بقدر ما يأخذ؛ وهو ما يجعله - بالنتاج- شريكا فاشلا في كل أنواع العلاقات -إلا بالطبع- تلك التي يكون فيها الطرف الآخر مصاباً ‘’ بالعطاء المرضي’’ !! نسمع الكثيرات يرددن عبارة ‘’ لا نريد منهم إلا أن ينهضوا بأنفسهم’’ كشعار للتربية وهذا خطأ جسيم.. فوظيفة الأسرة الأساسية ، لا التنشئة وتوفير الماديات، بل تأهيل الأبناء للحياة الواقعية وبلورة شخصيات قادرة على الانخراط في علاقات صحية.. فأول -وأهم- مهارات الحياة هي أن يعرف المرء كيف يعيش وسط المجموعة؛ وكيف يوازن علاقاته مع الآخر فيتقاطع معه دون أن يسمح له بالتمدد على حسابه؛ واختطاف حياته وطمس معالمها.
------------------
رحيق الكلام:
نعم؛ من السيئ أن يتعود المرء على الأنانية والأخذ دون مقابل.. ولكن الأسوأ -مطلقا- أن يتعود على أن لا يأخذ.. ويألف دور الضحية فيجحد ذاته؛ ويتحول ضحية لنفسه..