جعفر عبد الكريم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حركة جعفر الخابوري الا سلا ميه


    الحلقة الثامنة / نريد صاحب السيارة

    avatar
    خديجه


    عدد المساهمات : 1
    تاريخ التسجيل : 25/02/2010

    الحلقة الثامنة / نريد صاحب السيارة Empty الحلقة الثامنة / نريد صاحب السيارة

    مُساهمة  خديجه الخميس فبراير 25, 2010 2:54 pm

    الحلقة الثامنة / نريد صاحب السيارة
    تاريخ: 2008-02-02 - وقت النشر: 04:47:40 ص - قراءات: 339 - تعليقات: 0


    الحلقة الثامنة / نريد صاحب السيارة

    ومع استفاقة النهار أيقظ الوالد ابنه محمد قاصدا إلى قسم التحقيقات يحدوه الأمل في أن يكون الأمر مجرد خطأ أو تشابه في الأسماء ...وقف عند البوابة الشرقية للتحقيقات ..مد للشرطي ورقة الشئم وأنزلها في يده ...سأله الشرطي :أين محمد ...هبط كفه للأسفل وأشار :هذا هو..الإستغراب بدت علاماته على وجه الشرطي ...رفع قبضة الهاتف ..خاطبهم وأنهى المكالمة وقال للوالد :انتظر ...وهل يملك المجبرون سوى الانتظار وسلق أفئدتهم بناره الهادئة الصاخبة ؟! هادئة ببرودة البطىء المنسحب على أجسادهم وصاخبة بضجيج الهواجس المعربدة في رؤوسهم.



    جاء شرطي بلباس مدني ..تكلم مع الشرطي بهمس متستر ..بعدها مشى بمعية الوالد ومحمد إلى الداخل ...أبقاهما الشرطي في قاعة الإنتظار ريثما ينتهي الضابط من مهامه...مرت عشر دقائق قبل أن يدعوهما الشرطي للدخول ...أمام طاولة الضابط وقف الوالد ..دعاه الضابط للجلوس برقة متناهية ..حول الضابط وجهه إلى الصغير محمد وقال:هذا ابنك محمد؟ ...بوجهه المستقبل جهة وجه الضابط قال الوالد:نعم..أطرق الضابط برأسه قليلا..رفع رأسه قائلا:لديك أبن يملك سيارة ..قال الوالد : نعم .. وأظافر الريبة يتسع غورها في قلبه ..الضابط قال:ما اسمه ..قال الوالد: اسمه مهدي ..الضابط وبدون تريث وكما اعتاد في الاستدعاء وبراحة لا يصاحبها تبرم قال :نريد ابنك صاحب السيارة .



    عاد الوالد ينزع قلقا على ابنه الصغير ليرتدي خوفا أكبر منه على ابنه الكبير ...من البيت هاتفوا مهدي في العمل وأخبروه فجاءهم وذهبوا ...استقبلهم الروتين السابق لدى البوابة حتى قاعة الانتظار..دخل الوالد ومهدي على الضابط ..تلى الضابط على مهدي رقم سيارته وأعقبها قائلا :هذا رقم سيارتك ؟..أجابه مهدي بالإيجاب ...أنفرجت أسارير الضابط في وجهه العابس وقال :ولديك كتب تبيعها؟ ...قبل أن يتجاوز الضابط أكثر من هذا قال الاثنان...الوالد ومهدي :لا..قال الوالد :من يبيع الكتب هوعبد الشهيد...قال الضابط :نريد من يبيع الكتب ...إذهبا واتياني به !



    وهكذا خطأ في قراءة اسم حولته من مهدي إلى محمد ولأني كنت من يقود سيارة مهدي ..كلفت الأب الكبير ثلاث مرات من الذهاب وثلاث أخرى من الإياب ..هاتفوني في المطبعة الشرقية حيث أعمل ...استأذنت من العمل وجئتهم أقلب في صدري ريبة من أمرهم ...ومن طلبتهم من يبيع الكتب ...هاهي قصائدي تعود مرة أخرى ليفتحوا منها حججا يلقون بها في طريقي ..عندما صادروا مجموعة منها لم تنضب عزيمتي بل رحت أنظم مزيدا ...وطبعت منها الديوان الأول في البحرين وألحقته بالثاني مطبوعا في لبنان.



    في محرم الحرام القلوب متعطشة إلى ذكرى أبي عبد الله الحسين(ع) والعشق الحسيني مبرم في الوجدان الشعبي ..كنت أصطحب أخوتي فاضل وحسين ومحمد إلى مأتم الترانجة في (الديه) حيث يعمر المجلس بالحاضرين ..يجلس أخوتي الثلاثة الصغار يبيعون الكتب بعد انتهاء الخطيب من مجلسه ...من هذه الزاوية جاءوني هذه المرة .



    وصلت إلى مبنى التحقيقات ..أدخلونا إلى قاعة الانتظار ...أتصفح المكان الضاج بحفيف الحركة الدائبة ..بعد برهة لا بأس بها دعوني للمثول أمام الضابط ... نهضت متوجها خلف من نادى باسمي ..استدار إلي وقال لي اخلع (القحفية) ..قلنسوة كنت اعتدت ارتداءها طوال العام ...تلقف والدي الأمر قائلا :أوكي ..ويداه تنتزعها من رأسي ..وجسدي تحتها ينساب في ممرهم ذي الرائحة الكئيبة ...تشم في الممر القسوة مكشرة لكنك لا تراها ...والكآبة تطبق على أنفاسك ولا تجد لها حسا .



    فتح الباب أمامي ..توسط جسدي مكتبا تسد مساحته كنباته المصففة أمام المكتب ...الضابط متربع بجسمه الممتلئ فوق الكرسي ..يرتدي بدلة مدنية كحلية ... تفاصيل وجهه تؤكد أنه من أصول غير بحرينية ...لكنه ضابط على كل حال.. يداه ملقيتان على الطاولة بكفيهما المكتنزين بالعافية ...فوق سطح الطاولة ملقيا بذراعيه باعتماده على كوعيه العريضين كرجلي فيل صغير.



    صعد حاجبيه وأوسع فتحتي عينيه في وجهي ..ثم أهدل جفنيه ضاغطا عليهما ..فتح علبة السجائر الحمراء إلا من قليل بياض يشوبها ...تناول سيجارة بطرفي السبابة والإبهام ...قرع غطاء العلبة بكعب السيجارة بعد اقفاله ...بقيت أصابعه تقرع العلبة بالسيحارة وعيناه شاخصتان في ذقني ...أنت من يبيع الكتب؟قال ..بصوته ذي البحة المجرشة ...كلماته خاملة تأتيني من خلف مكتبه .



    بإيماءة رأسي إلى الأسفل أجبته :بلى..تلقى جوابي بصمت تلتهمني ثوانيه ..أعقب الصمت قائلا: ماهو اسمك : رددت عليه ببطئ يساوي صمته :عبد الشهيد ...أطلق أصابعه الأسطوانية باسطا كفه أمامي وقال: إجلس : نقلت أقدامي خطوتين للكنبة إلى اليمين وألقيت ثقل جثتي النحيفة بحذر الداخل في عرين الأسد ..استويت جالسا فوق الأريكة جسد ينعم بليونة المقعد وروح يراودها الإشفاق من مكرهم وخبثهم .



    وجذع جسدي يستقر على الأريكة لمحت عيناي لوحة خطية مبروزة مثبتة فوق رأس الضابط على الجدار ...بخط الثلث كتبت ..كادت سليقتي في حب الخط أن تسرح في جمالية الخط ...ولكن سرعان ما ثبت إلى نفسي وتراجعت عن سليقتي ..



    وضع السيجارة في فمه دون أن يشعل النار في رأسها لكنه أشعل قلقا عنكبوتيا ينسج خيوطه في أطراف صدري بصمته ...استل السيجارة بالسبابة والوسطى من فمه ...واجهني بإصبعين يأسران السيجارة وقال: متى طبعت هذه الكتب ؟ ..أعملت ذهني في التفكير والتأني ...ففي تلك الأمكنة كل خطأ غير مقصود يعتبر تضليلا ..نحن الآن في عام 1986..كان هذا الكلام خفيا مع ذاتي أجبته :منذ مايقارب ثلاث سنوات .



    عطف يده الممتلئة باللحم من أثر النعمة إلى جيب سترته ...استخرج قداحة فضية اللون ..أشعل بها السيجارة المحاصرة بأصابعه الغليظة ..يعتمدون الصمت المصطنع لإتلاف الأعصاب..شفط نفسا طويلا من سيجارته واستخرجه نافثا دخانها للأعلى وقال لي: سيارة الأمن استوقفتكم عند انصرافكم من بيع الكتب ...لكنكم لم تقفوا !.



    بضدية معاكسة لصمته الحارق كان ردي : يبدو أن سوء فهم في الموضوع ...المسافة التي نقطعها تمتد من (الديه) إلى السنابس ..وهي لاتتعدى 600 متر ..تعبرها السيارة بأدنى سرعتها ...ثم ننتهي عند البيت ..لو أحد ما تبعنا لوجدنا مترجلين بعد مسافة قصيرة ...أضف إلى أنه لا يوجد بحوزتنا ما يخيفنا من الوقوف لسيارة الأمن ...

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 2:11 am